للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كفارة يمين" (١).

ويدل لذلك -أيضًا- عموم حديث عقبة - رضي الله عنه -: "كفارة النذر كفارة يمين" فإنه يتناول نذر المعصية؛ لأنه لم يخص نذرًا دون نذر، وفي المسألة أحاديث أخرى لا تخلو من مقال، لكن يشد بعضها بعضًا (٢).

والقول الثاني: أن نذر المعصية ليس فيه كفارة، وهذا قول الجمهور، ومنهم الشافعي ومالك وأبو حنيفة، ورواية مُخرجة عن أحمد، فإنه قال: فيمن نذر "ليهدمن دار غيره لبنة لبنة": (لا كفارة عليه).

واستدلوا بحديث عائشة - رضي الله عنها -: "من نذر أن يعصي الله فلا يعصه" فنهى عن الوفاء بنذر المعصية، ولم يأمر الناذر بكفارة، فدل على أنها غير واجبة (٣)، واختار هذا القول الشوكاني (٤).

والقول الأول أرجح، لما تقدم؛ ولأن المعنى يقتضي ذلك، فإن الناذر نذر معصيةٍ ارتكب إثمًا بمجرد نذره، فهو أحوج إلى الكفارة لمحو هذا الإثم وإزالته؛ ولأن الأمر مقدم على الإباحة -كما تقرر في الأصول- للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب، فمن أخرج الكفارة فقد برئ من المطالبة بها باتفاق الجميع (٥).

وأما الأحاديث التي لم تذكر الكفارة فليست دليلًا على عدم وجوبها؛ لأنها لم تنفِ الكفارة، والأحاديث الأخرى نطقت بما سكتت عنه هذه الأحاديث، فتكون دلالتها مقدمة، مع أن الأحاديث التي فيها الكفارة كلها معلولة، وأصح ما فيها حديث عقبة: "كفارة النذر كفارة يمين". لكن إن فعل المعصية فهل عليه كفارة؟ الجواب: هو آثم بفعلها، وعليه التوبة، والجمهور


(١) أخرجه ابن الجارود (٩٣٥)، ومن طريقه البيهقي (١٠/ ٧٢)، وفي سنده خطاب بن القاسم الحراني، وهو متكلم فيه، انظر: "تهذيب الكمال" (٨/ ٢٦٩) مع ما يخشى من تفرده عن بقية أصحاب عبد الكريم بن مالك الجزري. انظر أيضًا: "تهذيب الكمال" (١٨/ ٢٥٢).
(٢) انظر: "تهذيب مختصر السنن" (٤/ ٣٧٤)، "إرواء الغليل" (٨/ ٢١٤).
(٣) "الأم" (٢/ ٢٧٩)، "بداية المجتهد" (٢/ ٤١٥)، "الاختيار" (٤/ ٧٨)، "المغني" (١٣/ ٦٢٤)، "المجموع" (٨/ ٤٥٧)، "الإنصاف" (١١/ ١٢٢).
(٤) "نيل الأوطار" (١٥/ ٣٧٩).
(٥) انظر: "أضواء البيان" (٥/ ٦٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>