للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والرشوة في الحكم: أن يُعْطَى القاضي ما يكون له أثر في تغيير الحكم أو تخفيفه واعتباره في صالح الراشي.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على تحريم الرشوة وأنها من كبائر الذنوب؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد توعد أكلة الرشوة والمتعاملين بها بالطرد والإبعاد عن رحمة الله، وقد مضى في "البيوع" الكلام على ذلك.

° الوجه الرابع: الحديث دليل على تحريم الرشوة في الحكم وأنها من كبائر الذنوب، وقد تقدم في "البيوع" ذكر شيء من مفاسدها، وإذا كانت الرشوة حرامًا مطلقًا لا يجوز قبولها، فإنها في باب القضاء والحكم أشد تحريمًا، لما يترتب عليها من تضييع الحقوق على أهلها، وأكل أموال الناس بالباطل، وتغيير حكم الله تعالى؛ لأن المرتشي سيحكم بما يرضي دافع الرشوة من إثبات باطل أو نفي حق، فانتشار الرشوة بين القضاة يفضي -ولابدَّ- إلى تعطيل الأحكام الشرعية، والمحاباة فيها، وضياع الأمانات.

والرشوة في الحكم قد تكون في طريق الحكم وذلك بتلقين الحجة للراشي أو تقوية حجته أو إضعاف حجة الآخر، وقد تكون في الحكم نفسه بأن يحكم للراشي ما هو من حق الطرف الآخر، وقد تكون في تنفيذ الحكم، فيعمل على إضعافه وعدم العناية بتنفيذه أو تخفيفه.

وهذا يوجب فسق الحاكم وعدم نفوذ حكمه؛ لأنه أَكَلَ السحت، وغَيّرَ حكم الله تعالى، كما تقدم.

فإن أعطى القاضي شيئًا ليقضي له بحقه لم يحل له الأخذ وصار هذا سببًا في فسقه؛ لأن القضاء واجب عليه فما أخذه في مقابلة أمر أوجبه الله عليه وهو يأخذ على ذلك رزقًا من بيت المال، فما أخذه فهو حرام عليه وحرام على المعطي؛ لأنه سبب في إفساد الحاكم وتأثيمه، وهذا اختيار الشوكاني (١).


(١) "نيل الأوطار" (١٥/ ٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>