للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويشكل على هذا حديث زيد بن خالد - رضي الله عنه - المتقدم الدال على فضل من يأتي بالشهادة قبل أن يسألها.

وقد اختلف العلماء في طريق الخروج من هذا التعارض الظاهر بين الحديثين، فمنهم من قال بالجمع بينهما، ومنهم من قال بالترجيح. فمن قال بالترجيح رجح حديث عمران - رضي الله عنه - لاتفاق البخاري ومسلم عليه، وانفراد مسلم بحديث زيد بن خالد - رضي الله عنه -، وذهب ابن عبد البر إلى ترجيح حديث زيد بن خالد على حديث عمران؛ لكونه من رواية ثقات أهل المدينة، وحديث عمران من رواية أهل العراق، أو أن المراد بالشهادة فيه: اليمين، أي: يحلف أحدهما قبل أن يستحلف، ويحلف حيث لا تراد منه اليمين (١).

ومن قال بالجمع حمل حديث زيد بن خالد على من عنده شهادة لا يعلم بها صاحب الحق، فيأتي إليه فيخبره بها أو يموت صاحبها فيأتي إلى ورثته فيعلمهم بذلك، وحديث عمران على من يؤدي الشهادة قبل أن يدعى لأدائها، أو أنهم يشهدون وليسوا أهلًا لتحمل الشهادة، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والصحيح أن الذم في هذه الأحاديث لمن يشهد بالباطل، كما جاء في بعض ألفاظ الحديث: "ثم يفشو فيهم الكذب، حتى يشهد الرجل وما يستشهد"، ولهذا قرن ذلك بالخيانة، وبترك الوفاء بالنذر … ) (٢).

وقيل: إن حديث زيد بن خالد في حقوق الله تعالى التي لا طالب لها، أو ما فيه شائبة منها كالعتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق ونحو ذلك، فيؤدي الشهادة من غير أن تطلب منه، وحديث عمران في حقوق الآدميين.

وقيل: إن حديث زيد من باب الكنايات، فهو كناية عن السرعة والمبادرة بأداء الشهادة وعدم التأخر، فكأنه لشدة مبادرته يؤديها قبل أن يُسألها.


(١) "التمهيد" (١٧/ ٣٠٠)، "الاستذكار" (٢٢/ ٢٧).
(٢) "الفتاوى" (٢٠/ ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>