للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] ولا يجوز الاقتصار على ما دون هذا العدد، فكذا في الشهادة (١).

واستدلوا بحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الآتي: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه" قالوا: فالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل اليمين على المدعى عليه، وجَعْلُهَا على المدعي مخالفة لهذا الحديث، ثم إن اعتبار اليمين بينة غير جائز، وإلا لأدى إلى التكرار في الحديث.

كما استدلوا بحديث الأشعث بن قيس، وفيه: فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدعي: "شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك" وسيأتي الحديث. ووجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفى أن يستحق الخصم شيئًا بغير شاهدين، فدل على أنه لا يحكم له بشاهد مع يمينه.

وأما حديث الباب فقد طعن فيه كثير من علماء الحنفية، ومنهم الطحاوي، والكاساني، وابن التركماني (٢)، وقد تقدم بيان ذلك، قالوا: وأحاديث القضاء بالشاهد واليمين زيادة على ما في القرآن، والزيادة نسخ.

والصواب في هذه المسألة هو القول الأول، لقوة دليله فإن الحكم بالشاهد واليمين رواه عدد من الصحابة -رضي الله عنهم-، ومضت به السنة، وأحاديث العمل بالشاهد واليمين هي زيادة على ما دلَّ عليه قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ … } والزيادة على نص القرآن من وظائف السنة الصحيحة، وهذا له نظائر كثيرة.

وأما الاستدلال بالآية فليس بصريح لما يلي:

١ - أن الله تعالى أمر أصحاب الحقوق أن يحفظوا حقوقم بهذا النصاب من الشهادة، ولم يأمر بذلك الحكام أن يحكموا به، فضلًا عن أن يكون أمرهم ألا يقضوا إلا بذلك، فطريق الحكم شيء، وطريق حفظ الحقوق شيء آخر.


(١) "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٢٤٧).
(٢) انظر: "الجوهر النقي" مع "السنن الكبرى" (١٠/ ١٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>