للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الرابع: الحكمة من جعل البينة على المدعي واليمين على من أنكر؛ أن المدعي يدعي أمرًا خفيًّا، فهو بحاجة إلى حجة قوية لإظهاره، والبينة حجة قوية؛ لأنها قول من ليس بخصم، فجعلت في جانب المدعي، وأما اليمين فهي أقل قوة؛ لأنها كلام أحد الخصمين، والمدعى عليه لا يدعي أمرًا خفيًّا، وإنما يتمسك بالأصل، وهو براءة الذمة، فصلحت له الحجة الأضعف، وهي اليمين، فجعلت في جانبه.

• الوجه الخامس: اختلف العلماء هل البينة على المدعي أبدًا واليمين على المدعى عليه أبدًا؟

القول الأول: أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه -وهو المنكر- أبدًا، وهذا قول أبي حنيفة، ووافقه طائفة من الفقهاء والمحدثين كالبخاري (١)، فطردوا ذلك في كل دعوى، وقالوا: لا يحلف إلا المدعى عليه، ولهذا لا يقضون بالشاهد واليمين كما تقدم، حتى في القسامة يحلِّفون المدعى عليه، لحديث: "تأتوني بالبينة على من قتله" قالوا: ما لنا بينة، قال: "فيحلفون" ولكن ضعف الحفاظ هذه الرواية لمخالفتها لروايات "الصحيحين": "يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته". وتقدم هذا في "القسامة".

والقول الثاني: أنه لا يلزم أن تكون اليمين في جانب المدعى عليه، بل في جانب أقوى المتداعيين، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد، بل سائر علماء الأمة، كما يقول ابن القيم (٢).

واستدلوا بما تقدم من قضاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشاهد واليمين، وفي القسامة جعلت اليمين في جانب المدعي؛ لأنه قوي جانبه باللوث.

وأجابوا عن حديث: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) بأجوبة تقدمت، وهي:

١ - أنه حديث عام دخله التخصيص بمثل حديث الشاهد واليمين.


(١) انظر: "فتح الباري" (٥/ ٢٨٠).
(٢) "الطرق الحكمية" ص (١٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>