للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على من يسرها الله عليه لا سيما في حق من اعتادها، ومن قام بها كان قيامه بغيرها أولى.

* الوجه الرابع: في الحديث دليل على أن السلام من محاسن الإسلام ومن أسباب المحبة والتآلف بين المسلمين، وهذا أمر مشاهد، فإن كل واحد من المتلاقيين يدعو للآخر بالسلامة من كل آفة: السلامة من الأمراض والشرور والمعاصي، والسلامة من النار، وفيه الدعاء بالرحمة والبركة الجالبة لكل خير، وفي السلام إحياء سنّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأداء حق المسلم، ولهذا ذكر العلماء أنه ينبغي لكل واحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبدأ بالسلام، سواء عرفه أم لم يعرفه، تحقيقًا لفوائد السلام، وتحصيلًا للفضائل المرتبة عليه، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" (١)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" (٢)، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام" (٣).

ومما يؤسف عليه أن غالب سلام الناس -اليوم- إنما هو للمعرفة، فمن عرفه سلَّم عليه، ومن لم يعرفه لم يسلم عليه، وهذا فيه مخالفة لإرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما سألة رجل أيُّ الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" (٤)، قال النووي: (أي: لا تخص به المعارف كما يفعله بعض الناس تكبرًا أو تهاونًا، ويتضمن هذا ألا يكون بينك وبين أحد معاداة ونحوها مما يمنع في العادة عن السلام بسبب. والله أعلم) (٥). ثم إن في تخصيص السلام بالمعرفة تفويتًا لفوائد السلام، وما رُتِّب عليه من الأجر، قال


(١) رواه مسلم (٩٣).
(٢) الحديث متفق عليه، وسيأتي شرحه -إن شاء الله- برقم (١٤٧٠).
(٣) رواه أبو داود (٥١٩٧)، والترمذي (٢٦٩٤)، وأحمد (٣٦/ ٥٣٠). وقال النووي في "الأذكار" ص (٤٠٤): (إسناده جيد)، والحديث له عدة طرق.
(٤) رواه البخاري (١٢)، ومسلم (٣٩).
(٥) "شرح النووي على صحيح البخاري" ص (١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>