للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصواب الأول، لقوة مأخذه، قال ابن القيم: (وظاهر السنّة يقوّي قول ابن العربي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشمت الذي عطس ولم يحمد الله، ولم يذكره … ولو كان تذكيره سنّة لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بفعلها وتعليمها والإعانة عليها) (١). لكن لو أخبر فيما بعد بهذا الأدب النبوي من باب التعليم لكونه جاهلًا لكان أفضل، وقد روى أبو نُعيم بسنده عن ابن حميد قال: عطس رجل عند ابن المبارك فلم يحمد الله، فقال ابن المبارك: إيش يقول العاطس إذا عطس؟ قال: يقول: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله (٢).

فإن حمد الله ولم يسمعه الإنسان فإنه لا يشمته، فإن كانوا جماعة فسمعه بعضهم دون بعض فمن أهل العلم من قال: يشمته من سمعه دون غيره؛ لأنه لم يسمعه، ورجح هذا النووي (٣)، وقال آخرون: يشمتونه؛ لأنهم عرفوا عطاسه وحمده بتشميت غيره، ورجح هذا ابن العربي، واستظهره ابن القيم فقال: (والأظهر أنه يشمته إذا تحقق أنه حمد الله، وليس المقصود سماع المشمت للحمد، وإنما المقصود نفس حمده، فمتى تحقق ترتب عليه التشميت، كما لو كان المشمَّتُ أخرسَ ورأى حركة شفتيه بالحمد، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: فإن حمد الله فشمتوه"، هذا هو الصواب) (٤). لكن قد يرد على كلام ابن القيم أمران:

الأول: أن تنظيره بالأخرس فيه نظر؛ لأن الأخرس قامت إشارته مقام عبارته لعجزه عن النطق، بخلاف الناطق فإنه قادر على الكلام، فاعتبر في حق المشمت سماع حمده حتى يشمته (٥).

الثاني: أنه قد يكون مَنْ عند العاطس جهلة لا يفرقون في التشميت بين الحامد وغيره، والتشميت متوقف على من علم أنه حَمِدَ، فيمتنع تشميت من لم يُسمع حَمْدُهُ ولو شمته من عنده؛ لأنه لا يَعْلَمُ هل حمد أو لا (٦).


(١) "زاد المعاد" (٢/ ٤٤٢).
(٢) "الحلية" (٨/ ١٧٠).
(٣) "الأذكار" ص (٤٣٨).
(٤) انظر: "العارضة" (١٠/ ٢٠٠)، "زاد المعاد" (٢/ ٤٤٢).
(٥) "الفتوحات الربانية" (٦/ ٢٦).
(٦) "فتح الباري" (١٠/ ٦١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>