للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا حكم عام في الثياب والعباءات والسراويل وغيرها، وقد روى البخاري من طريق شعبة قال: لقيت محارب بن دِثَار على فرس … فسألته عن هذا الحديث، وفيه: فقلت لمحارب: أَذَكَرَ إزاره؟ قال: ما خصَّ إزارًا ولا قميصًا (١). ومقصوده أن التعبير بالثوب يشمل الإزار وغيره، وإنما جاء الحديث بلفظ الإزار؛ لأنه كان غالب لباس القوم في ذلك الوقت، فلما لبس الناس القميص ونحوه كان حكمه حكم الإزار في النهي، والخطاب إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له كما هو مقرر في الأصول، وثَمَّ أمر آخر لتخصيص الإزار وهو كون الإزار يسترخي بسبب الحركة والمشي، فينزل إلى المرتبة المحذورة، بخلاف القميص فإنه لا يسترخي، إلا إذا كان من أصله طويلًا.

وأما الإسبال لغير الخيلاء وإنما يفعله الإنسان مجاراةً لهواه، أو للمجتمع الذي يعيش فيه، أو تساهلًا، فهو موضع خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بتحريمه، وهو رواية في مذهب الحنابلة، واختاره القاضي عياض، وابن العربي من المالكية، وإليه مال الحافظ ابن حجر (٢)، وهو اختيار الشيخ الألباني، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين (٣)، واستدلوا بحديث الباب وما جاء في معناه من الأدلة الدالة على تحريم الإسبال للخيلاء. وقالوا: إن التقييد بالخيلاء خرج مخرج الغالب، وما خرج مخرج الغالب لا يعمل بمفهومه، كما هو مقرر في الأصول، ولإن الإسبال يستلزم الخيلاء، لإنه يستلزم جر الثوب، وجر الثوب يستلزم الخيلاء، قال ابن العربي: إلا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجره خيلاء؛ لأن النهي قد تناوله لفظًا، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكمًا أن يقول: لا أمتثله؛ لأن تلك العلة ليست فِيَّ؛ فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته


(١) "صحيح البخاري" (٥٧٩١).
(٢) انظر: "عارضة الأحوذي" (٧/ ٢٣٧ - ٢٣٨)، "إكمال المعلم" (٦/ ٦٠١)، "الآداب الشرعية" (٣/ ٥٢١)، "فتح الباري" (١٠/ ٢٥٩)، "الإنصاف" (١/ ٤٧٢).
(٣) انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" رقم (٢٦٨٢)، "فتاوى ابن باز" (٦/ ٤٨٣)، "فتاوى إسلامية" (٤/ ٢٣٥)، "شرح رياض الصالحين" (٤/ ٢٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>