للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جاء عن ابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنهما - في تفسير: {الْمُبَذِّرِينَ} أنهم الذين ينفقون المال في غير حقه، ولهذا قال بعض العلماء: الإسراف صرف المال فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي، والتبذير: صرفه فيما لا ينبغي، وقريب منه قول الماوردي: (التبذير: الجهل بمواقع الحقوق، والسرف: الجهل بمقادير الحقوق)، فالتبذير ليس في الكثرة والقلة، وإنما هو في موضع الإنفاق، ولهذا كان المبذرون إخوان الشياطين؛ لأنهم ينفقون في الحرام، ويرى آخرون أن الإسراف والتبذير معناهما واحد، والأول أرجح؛ لأن الله قال: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: ١٤١] وقال: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: ٢٧] وهذا فوق الأول (١).

قوله: (ولا مخيلة) بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة بوزن عظيمة مفعلة من اخقال: إذا تكبّر، فالمخيلة بمعنى التكبر والعُجب، وهي كالخيلاء.

* الوجه الثالث: هذا الحديث يبين المنهج السليم الذي ينبغي للإنسان أن يسير عليه في حياته: في أكله وشربه وملبسه وصدقته؛ لأن فيه الحث على استعمال المال في الأمور النافعة في الدين والدنيا وتجنب الأمور الضارة.

* الوجه الرابع: الحديث دليل على تحريم الإسراف ومجاوزة الحد، وفيه إرشاد إلى القصد والتوازن والاعتدال في كل شأن من شؤون الحياة، قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: ٢٩] ففي الآية توجيه رباني إلى القصد والاعتدال، نهي عن الإمساك والبخل {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ}، ونهي عن الإسراف {وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} والنهاية إن فعلت ذلك {فَتَقْعُدَ مَلُومًا} أي: تلام على ما فعلت، {مَحْسُورًا} أي: حاسر اليد فارغها، فإذا جمعت هذه الآية مع آية سورة الفرقان -الآتية- تبين لك منهج الإسلام.

وقد جاء ذكر الإسراف في القرآن الكريم في آيات كثيرة، ووُصِفَتْ به


(١) انظر: "معجم مقاييس اللغة" (١/ ٢١٦)، "الكليات" (١/ ١٧٢)، "التعريفات" ص (٢٣، ٢٤)، "البحر المحيط" (٦/ ٢٧)، "نهاية المحتاج" (٤/ ٣٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>