للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غير ما هي عليه، وقد يقع الاشتباه للمجتهد نفسه حيث لا يظهر له ترجيح أحد الدليلين.

والاشتباه له أسباب كثيرة، منها:

١ - تعارض الأدلة بحيث لا يظهر للناظر فيها جمع ولا ترجيح، وهذا بالنسبة إلى المجتهد، فكل مسألة تعارضت فيها الأدلة على هذا الوجه فهي من المتشابه، لكن ينبغي أن يُعلم أن هذا أمر نسبي، فقد يحصل الاشتباه عند مجتهد، ولا يحصل عند مجتهد آخر، ومثال ذلك الأحاديث الواردة في أداء تحية المسجد التي ظاهرها أنها تُصلى كل وقت، مع أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر والصبح، وظاهرها العموم في كل صلاة، فظاهر الأول أنها واجبة، وظاهر الثاني أن فعلها حرام، فهذه قد تكون واضحة عند شخص، وقد تكون مشتبهة عند شخص آخر.

٢ - اختلاف العلماء في فهم الدليل بأن يكون فيه أمر أو نهي، فيختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب، وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه، مثل الأمر بغسل الجمعة، وهذا يحصل في حق المقلد، والوَرَعُ في حقه الوقوف عند الشبهة، وهو أن يغتسل؛ لأن القائل بعدم وجوب الغسل لا يقول بعدم جوازه، بل يقول: إنه مستحب.

٣ - خفاء النص وعدم بلوغه للمجتهد؛ لكونه لم ينقله إلا قليل من الناس، فلم يبلغ جميع حملة العلم، فتكون هذه المسألة التي لم يبلغ المجتهد فيها دليل من المشتبهات، فلا يفتي حتى يقف على دليل مانع أو مبيح (١).

قوله: (فمن اتقى الشبهات) أي: ابتعد عنها واجتنبها فجعل بينه وبينها وقاية، ووضع الظاهر موضع الضمير تفخيمًا لشأن اجتنابها والحذر منها.

قوله: (فقد استبرأ لدينه وعرضه) أي: طلب البراءة أو حصل عليها


(١) انظر: "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث (٦)، "كشف الشبهات عن المشتبهات" للشوكاني ص (٨) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>