للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (ألا وهي القلب) فهو الملك والأعضاء كالرعية.

• الوجه الثالث: هذا حديث عظيم من أمعن النظر فيه وجده حاويًا لعلوم الشريعة، إذ هو مشتمل على الحث على فعل الحلال واجتناب الحرام والإمساك عن الشبهات والاحتياط للدين والعرض وتعظيم القلب والسعي في صلاحه.

• الوجه الرابع: في هذا الحديث تقسيم الأشياء في الشريعة من حيث الحل والحرمة إلى: حلال بَيِّنٍ، وحرام بَيِّنٍ، ومشتبهٍ ليس بواضح الحل ولا الحرمة.

• الوجه الخامس: في الحديث دليل على أن أحكام الأمور المشتبهة ليست معطلة لا تعلم، بل يعلمها بعض الناس، وهم العلماء المجتهدون لما عندهم من مزيد علم، فيعلمون ما هي عليه في حقيقة الأمر من تحليل أو تحريم، وهذا مرده إلى الاجتهاد والنظر في أحكام الشرع، وقد يرى هذا العالم حل ما يرى العالم الآخر تحريمه، بناءً على ما أداه إليه اجتهاده، وهذا يدل على فضل العلم والعلماء لعلمهم بما لم يعلمه غيرهم، وحَلِّهم ما أشكل على غيرهم.

أما المقلد فإنه يقتدي بأفضل العَالِمَينِ المختلفين علمًا وورعًا؛ لأن مثل هذا يكون أقرب إلى الصواب في الغالب.

• الوجه السادس: الحث على اتقاء الشبهات والبعد عنها، وهي ما حصل التردد في حله أو حرمته؛ لأن في ذلك احتياطًا للدين من أن يدخله نقص أو خلل، واحتياطًا للعرض من الوقوع فيه بالذم، فالأول فيما بينه وبين الله، والثاني فيما بينه وبين الناس، قال بعض السلف: (من عرَّض نفسه للتُّهم فلا يلومن من أساء الظن به) (١).

وهذا يفيد أنه لا بد للمسلم من المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة الإنسانية، وأن طلب البراءة للعرض ممدوح كطلب البراءة للدِّين، وفي هذا فائدة عظيمة دلّت عليها رواية البخاري: (فمن ترك ما شُبِّه عليه من الإثم


(١) "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>