للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان لِمَا استبان أترك … ) (١)، والمعنى: أن من ترك الإثم مع اشتباهه عليه فهو أولى بتركه إذا اتضح له أنه إثم.

قال ابن رجب: (هذه الأمور المشتبهات: منها ما يقوى شبهه بالحرام، ومنها ما يبعد شبهه بالحرام، ومنها ما يتردد، لشبهه بين الحلال والحرام.

فالأول: يقوى فيه التحريم، والثاني: يقوى فيه الكراهة، والثالث: يتردد فيه.

واجتناب الكل حسن، وهو الأفضل والأولى) (٢).

ويتأكد تأمل هذا المعنى في زماننا هذا حيث كثرت المكاسب المشبوهة في أمور البيع والشراء، وأقدم الناس على الحيل، وتهافتوا على جمع الدنيا بكل وسيلة من غير التفات إلى دين أو فضيلة أو خلق، إلا من رحم الله.

• الوجه السابع: في الحديث دليل على خطر التساهل في الشبهات وأن الإقدام عليها مع كونها مشتبهة عنده سبب للوقوع في الحرام بالتدريج والتسامح، وفي هذا تعريض الإنسان دينه للنقص وعرضه للوقوع فيه، وقد نقل ابن المُنَيِّرِ عن بعض مشايخه أنه قال: (المكروه عَقَبَةٌ بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه) (٣) ويقول الحافظ ابن رجب: (من وقع في الشبهات كان جديرًا بأن يقع في الحرام بالتدريج؛ فإنه يسامح نفسه في الوقوع في الأمور المشتبهة، فتدعوه نفسه إلى مواقعة الحرام بعده؛ ولهذا جاء في رواية: "ومن خالط الريبة يوشك أن يَجْسُرَ" ويعني: يجسر على الوقوع في الحرام الذي لا ريب فيه) (٤).


(١) "صحيح البخاري" (٢٠٥١).
(٢) "شرح حديث: مثل الإسلام" ص (٣٥).
(٣) "فتح الباري" (١/ ١٢٧).
(٤) "فتح الباري" لابن رجب (١/ ٢٢٧)، والرواية المذكورة هي لأبي داود (٣٣٢٩)، والنسائي (٧/ ٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>