للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أما ما كان من قبيل العادات والأزياء فهو محرم يقتضي الحكم بفسق صاحبه، ولا يصل إلى درجة الكفر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال لابن عمرو: "إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها" لم يبين له أن هذا كفر، وهذا مقيد -أيضًا- بعدم القصد، وإطلاق التشبه عليه إنما هو باعتبار الصورة الظاهرة، والنهي عن هذا باعتبار سد الذريعة، وقد أطلق بعض أهل العلم الكفر على من تشبه بالكفار في عاداتهم الخاصة، ومرادهم مع وجود القصد والنية، وذلك لأن المتشبه بهم قد أخل بأحد أصلي الإيمان وهو المحبة؛ لأن المحبة لله تعالى ولدينه -والتي هي أصل كل الأعمال الشرعية- تقتضي بغض كل ما سوى الإسلام من الكفر وأعماله، وانخرامها بمحبة فعل الكفار بيّن واضح.

أما ما كان من قبيل الأمور الدنيوية البحتة التي لا تمس العقيدة والأخلاق والسمت الخاص في اللباس ونحوه، كالعلوم والصناعات عمومًا، وصناعة الأسلحة، ومكائد الحرب والقتال، ونحو ذلك، فلا بأس من الاستفادة من تجارب الكفار وخبراتهم، إذا لم يوجد في البيئة الإسلامية الإمكانات التي تقوم بتحقيق هذه المطالب، وتسعى لتوفيرها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بحفر الخندق في غزوة الأحزاب (١) ولم تكن العرب تعرف ذلك، وهذه الاستفادة من الكفار مشروطة بألا توقع المسلمين في الذل والصَّغَار، وألا تتعارض مع النصوص أو القواعد الشرعية.

ويكون التشبه بهم مكروهًا إذا كان في صورة فعل ثبت أصله في ديننا كما ثبت في دين الكفار، وشرعت المخالفة في وصفه وصورته، مثل صيام يوم عاشوراء فإنه شرع لليهود، وشرعه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته، لكن مع المخالفة بصيام يوم قبله، فإفراده بالصوم مكروه -على ما ذكره الفقهاء- لأنه يشبه بذلك صيام اليهود (٢).


(١) انظر: "فتح الباري" (٧/ ٣٩٢).
(٢) انظر: "الاقتضاء" (١/ ٤٢٣)، "التشبه المنهي عنه" ص (٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>