للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصل جامع لأصول الطب كلها) (١).

والحديث وإن كان ضعيفًا لكن معناه صحيح تؤيده الأدلة، كقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١]. وذلك لأن المقصود من الأكل حفظ صحة البدن وقوته؛ لأن بها بقاء الحياة، وفي التقليل من الأكل مصالح عظيمة، من أهمها: خفة البدن، ونشاطه في أمور دينه ودنياه، والسلامة من الأمراض التي تكون من كثرة الأكل.

قال ابن القيم: (مراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة، والثاني: مرتبة الكفاية، والثالثة: مرتبة الفضيلة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه … فإن تجاوزها فليأكل في ثلث بطنه … وهذا من أنفع ما للبدن والقلب) (٢). وقال ابن رجب: (قلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك) (٣).

• الوجه الرابع: في الحديث ذم الشبع والتحذير من ملء البطن، وذلك لأن الشبع وكثرة الأكل يولد العطش، فيشرب كثيرًا، فيرتخي جسده وتتخثر أعضاؤه، وفي ذلك مدعاة للكسل والفتور، والإخلاد إلى الراحة، وحب النوم، والتكاسل عن طاعة الله تعالى، وكثرة الأسقام التي تنشأ عن الشبع عاجلًا أو آجلًا ظاهرًا أو باطنًا، وربما صار يبحث عن مشروبات تكفيه مؤنة عسر الهضم الذي ابتلي به، يقول ابن رجب: (من وفَّى نفسه حظها من عيش جسده بالشهوات الحسية كالطعام والشراب، فسد قلبه وقسا، وجلب له ذلك الغفلة وكثرة النوم، فنقص حظ روحه وقلبه من طعام المناجاة وشراب المعرفة، فخسر خسرانًا بيّنًا) (٤).

وفي الشبع تحريك نوازع الشر في الإنسان، فكم من معصية جلبها الشبع


(١) "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث (٤٧).
(٢) "زاد المعاد" (٤/ ١٨).
(٣) "جامع العلوم والحكم" حديث (٤٧).
(٤) "شرح حديث: لبيك اللهم لبيك" ضمن "مجموع رسائل الحافظ ابن رجب" (١/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>