للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (فإن الحسد يأكل الحسنات) أي: يذهبها، وهو تعليل للتحذير، وهذا فيه استعارة مَكْنية حيث شبه الحسد بحيوان، ثم حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الأكل.

• الوجه الثالث: في الحديث دليل على تحريم الحسد وقبحه؛ لما فيه من الاعتراض على الله تعالى في مشيئته، ولما فيه من انطواء النفس على كراهة الخير لأخيه المسلم، ومحبة زوال النعم عنه، وهو دليل على دناءة في النفس، وسوء في الخلق.

وقد جاءت الأدلة من الكتاب والسنّة في ذم الحسد والنهي عنه، قال تعالى في ذم اليهود: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: ١٠٩]، وقال تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: ٥٤]،، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا … " الحديث رواه مسلم، وسيأتي شرحه إن شاء الله.

ومن أهم أسباب الحسد: العداوة والبغضاء، وخبث النفس وشحها بالخير على عباد الله، وحب الترفع على الآخرين، وذلك حينما يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد، فيكره تقدمه فيه. ولذا قال معاوية - رضي الله عنه -: (كل الناس أقدر على رضاه إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها) (١)، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (لكل نعمة حاسد على قدرها دقت أو جلَّت .. وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد، وقد قال يعقوب ليوسف - عليه السلام -: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيدًا … } [يوسف: ٥]) (٢). ويقول الغزالي: (اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب ولا تُدَاوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقًا أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما، ومهما عرفت هذا عن بصيوة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك، فارقت الحسد لا محالة.


(١) "الإحياء" (٣/ ٢٠١).
(٢) "الفتاوى" (١٥/ ١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>