للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا كله في الجدال المذموم، وهو الذي يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، ويكون المراد منه مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، فإن كان المراد منه إظهار الحق وهداية الخلق فهو محمود. يقول الإِمام النووي: (اعلم أن الجدال قد يكون بحق، وقد يكون بباطل … فإن كان الجدال للوقوف على الحق وتقريره كان محمودًا، وإن كان الجدال في مدافعة الحق، أو كان جدالًا بغير علم كان مذمومًا، وعلى هذا التفصيل تنزل النصوص الواردة في إباحته وذمه) (١).

• الوجه الرابع: في الحديث دليل على أن المسلم منهي عن المزاح، والمراد به ما فيه إفراط بحيث يداوم عليه صاحبه، وهذا يورث كثرة الضحك، وقسوة القلب، وإضاعة الأوقات، ويؤدي إلى الإيذاء، ويورث الأحقاد، ويسقط المهابة والوقار، يقول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: (من كثر ضحكه قلَّت هيبته، ومن مزح استُخِفَّ به، ومن أكثر من شيء عُرف به) وقيل في منثور الحكم: (المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب)، وقال بعض الحكماء: (من كثر مِزاحه زالت هيبته) (٢).

قال ابن عبد البر: (وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح، لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء) (٣).

فإن كان مزاحًا خفيفًا لطيفًا بأدب واحترام، وفيه مؤانسة، وتطييب نفس المخاطب، وإذهاب السآمة عنه فلا بأس به إذا لم يطل زمنه.

قال النووي: (المزاح المنهي عنه، هو الذي فيه إفراط، ويداوم عليه، فإنه يورث الضحك، وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء، ويورث الحقد،


(١) "الأذكار" ص (٥٨٨).
(٢) "روضة العقلاء" ص (٨٠)، "أدب الدنيا والدين" ص (٢٧٠).
(٣) "بهجة المجالس" (٢/ ٥٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>