للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عندك حياء فاعمل ما شئت، فإن الله يجازيك عليه، كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: ٤٠]، وقوله تعالى: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: ١٥]، وعلى هذا يكون الحديث تعظيمًا لأمر الحياء، وهذا التفسير اختيار أبي العباس ثعلب.

والقول الثاني: أنه أمر، ومعناه الخبر؛ والمعنى: أن من لم يستح صنع ما شاء؛ لأن المانع من فعل القبائح هو الحياء، فمن لم يكن له حياء انهمك في كل محظور، وهذا اختيار أبي عبيد القاسم بن سَلَّام، وابن قتيبة، ومحمد بن نصر المروزي، وغيرهم (١).

والقول الثالث: أنه أمر بمعنى الإباحة والإذن؛ أي: أمر بفعل ما شاء على ظاهر لفظه؛ والمعنى: انظر إلى بها تريد أن تفعله فإن كان مما لا يستحيا منه فافعله، وإن كان مما يستحيا منه فدعه (٢)، وهذا قول جماعة من الأئمة، منهم إسحاق المروزي الشافعي، وحُكي مثله عن الإهام أحمد (٣).

° الوجه الثالث: الحديث دليل على فضل خلق الحياء، وأنه من مكارم الأخلاق المأثورة عن النبوات السابقة، قال الخطابي: (معناه: أن الحياء لم يزل ممدوحًا على ألسن الأنبياء الأولين ومأمورًا به، لم ينسخ فيما نسخ من الشرائع، فالأولون والآخرون فيه على منهاج واحد) (٤)، وهذا مما يؤكد قيمة الحياء وعظيم أثره على سلوك الإنسان، ومعاملته مع الله تعالى ومع خلقه، وأنه يعصم العبد عن القبيح من الأقوال والأفعال، ومن فقد الحياء وقع في الذنوب والمعاصي ومساوئ الأخلاق، كما تقدم.

إن الحياء خلق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والصحابة رضوان الله عليهم، والتابعين من هذه الأمة، يقول أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - كان


(١) "غريب الحديث" لأبي عبيد (٢/ ٣٣٠)، "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث (٢٠).
(٢) "أعلام الحديث" (٣/ ٢١٩٨ - ٢١٩٩).
(٣) "جامع العلوم والحكم" شرح الحديث (٢٠).
(٤) "أعلام الحديث" (٣/ ٢١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>