للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

زيد، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، والفضيل بن عياض وآخرين.

واستدلوا بالنصوص التي جاء فيها ذكر العزلة والبعد عن الناس، كقوله تعالى عن إبراهيم - عليه السلام -: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم: ٤٨]، وبما ثبت في "الصحيحين" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس خير؟ قال: "رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شِعْبٍ يعبد ربه ويدع الناس من شره" (١).

كما استدلوا بأن العزلة فيها مصالح من التفرغ للعبادة، والسلامة من المعاصي الحاصلة بالمخالطة؛ كالرياء والغيبة والنميمة والتساهل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتضييع الأوقات، وفضول الكلام.

والقول الثاني: استحباب المخالطة وترك العزلة، وهذا رأي سعيد بن المسيب، وابن أبي ليلى، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وسفيان بن عيينة وغيرهم (٢).

واستدلوا بأن الله تعالى أمر بالاجتماع وحث عليه، ونهى عن التفرق، فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣]، وبحديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سره بُحبُوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الفذ، وهو من الاثنين أبعد" (٣).

والذي يظهر -والله أعلم- أنه لا بد من التفصيل، وهو أن الإنسان إذا خاف على دينه بكثرة الشرور وانتشار الفتن وضَعُفَ عن الإنكار فالعزلة أفضل، وإلا فالأصل هو مخالطة الناس والصبر على أذاهم، ولا سيما فيمن يأمر


(١) "صحيح البخاري" (٦٤٩٤)، "صحيح مسلم" (١٨٨٨).
(٢) "الإحياء" (٢/ ٢٢٢).
(٣) رواه الترمذي (٢١٦٥)، والنسائي في "الكبرى" (٨/ ٢٨٦)، وأحمد (١/ ٢٦٨ - ٢٦٩)، والحديث له عدة طرق، قال الترمذي: (حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه).

<<  <  ج: ص:  >  >>