للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بتشديد الفاء؛ أي: أحدقت وأحاطت وطافت بهم الملائكة يستمعون الذكر ويكونون شهداء لهم، وهم الموكلون بحضور مجالس الذكر، فتكون (أل) للعهد، ويؤيد هذا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم. . ." الحديث (١).

وفي التعبير بـ (حفتهم) إشارة إلى القرب الشديد من الذاكرين بحيث لم يدعوا للشيطان فرجة يتوصل منها، ومن ذلك: حافة الطريق وهو جانبه، قال تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: ٧٥]؛ أي: مطبقين به.

قوله: (وغشيتهم الرحمة) أي: عمتهم وأحاطت بهم من كل جانب.

قوله: (ونزلت عليهم السكينة) قيل: إن المراد بها الرحمة، واختار هذا القاضي عياض، فإنه قال: (وهذا هو أليق الوجوه هنا) (٢)، والقول الثاني: أن المراد بها الوقار والطمأنينة، كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح: ٤]، قال النووي: (وهذا أحسن) وضعف القول بأنها الرحمة؛ لعطف الرحمة عليها (٣).

يقول الشيخ محمد بن عثيمين: (السكينة شيء يقذفه الله عزَّ وجلَّ في القلب فيطمئن ويوقن ويستقر، فلا يكون عنده قلق ولا شك ولا ارتياب. .) (٤).

قوله: (وذكرهم الله فيمن عنده) أي: أثنى عليهم لشرف عملهم فيمن عنده من الملائكة والأنبياء مباهاة بهم.

° الوجه الثالث: الحديث دليل على فضل مجالس الذكر وشرفها عند الله تعالى حيث حظي أهلها بهذه الخصال الأربع العظيمة من حَفِّ الملائكة، وغشيان الرحمة، ونزول السكينة، وذكر الله إياهم في الملأ الأعلى، وهذه خصال عظيمة ومنح جسيمة، تدل على رضا الله تعالى عنهم ومحبته لهم، وإذا


(١) رواه البخاري (٦٤٠٨)، ومسلم (٢٦٨٩).
(٢) "إكمال المعلم" (٨/ ١٩٥).
(٣) "شرح صحيح مسلم" (٢٥/ ١٧).
(٤) "شرح رياض الصالحين" (٥/ ٧٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>