للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أي: مصدق بوعدك في المثوبة والأجر (١).

قوله: (ما استطعت) ما: مصدرية؛ أي: بحسب استطاعتي، لا بحسب ما ينبغي لك وتستحقه علي، والاستطاعة هي القدرة علي الشيء، وفي هذا إعلام من النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته أن العبد لا يقدر علي الإتيان بجميع ما أُمر به، ولا الوفاء بكمال طاعة الله، ولا القيام بما يجب من شكر النعم.

قوله: (أعوذ بك) أي: ألتجئ إليك وأعتصم بك، فأنت المستعاذ به.

قوله: (من شر ما صنعت) أي: من شر الذي صنعته، علي أن (ما) موصول اسمي، أو من شر صنعي علي أنه موصول حرفي، وهذا هو المستعاذ منه، وخص الشر؛ لأن صنع الخير محبوب لله تعالي، والعبد مأمور بفعله عهدًا وميثاقًا ووعدًا، بخلاف الشر فإنه معاهد علي تركه واجتنابه.

قوله: (أبوء لك بنعمتك عليَّ) يقال: باء يبوء: رجع وانقطع؛ أي: اعترف لك طوعًا بنعمتك عليَّ، فكأنه رجع إلي الإقرار والاعتراف، ولفظ النعمة يفيد العموم في جميع نعم الله تعالى علي عباده ظاهرها وباطنها؛ لأنه مفرد مضاف كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: ٣٤].

قوله: (وأبوء بذنبي) أي: أرجع علي نفسي بالإقرار والاعتراف بإثمي ومعصيتي، وقال صاحب كتاب "الأفعال": (باءَ بالذنب: أَقَرَّ) (٢). وقال الخطابي: (معناه الإقرار بها -أيضًا- كالأول، ولكن فيه معنى ليس في الأول، تقول العرب: باء فلان بذنبه: إذا احتمله كرهًا، لا يستطيع دفعه عن نفسه) (٣). ولفظ الذنب وإن كان مفردًا، فإنه يعم كل ذنب من فعل محظور أو ترك واجب؛ لأنه مفرد مضاف كالذي قبله، والمعنى: أنا معترف لك بإنعامك عليَّ الذي يستوجب عليّ حمدًا، ومعترف بذنبي الذي يستوجب مني استغفارًا.


(١) انظر: "أعلام الحديث" للخطابي (٣/ ٢٢٣٦).
(٢) "الأفعال" لابن القوطية ص (١٣٢).
(٣) "معالم السنن" (٧/ ٣٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>