للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الوجه الرابع: الحديث دليل علي أن هذه الصيغة الواردة في هذا الحديث هي أفضل صيغ الاستغفار، وذلك لأن فيه الثناء علي الله تعالى، ثم الاعتراف بربوبيته وألوهيته وأنه لا معبود بحق غيره، وأن العبد مقيم الوعد ثابت العهد بحسب طوقه واستطاعته، ثم فيه الاستعاذة بالله سبحانه من شر ما صنع العبد من ارتكاب للآثام أو تقصير في طاعة أو شكر علي نعمة، ثم فيه الإقرار بترادف النعم وما يصيب العبد من الذنوب والمعاصي، وختمه بسؤال المغفرة من الله الذي لا يغفر الذنوب سواه، قال الحافظ ابن رجب: "أفضل أنواع الاستغفار أن يبدأ العبد بالثناء علي ربه، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة" (١).

* الوجه الخامس: في الحديث الاعتراف بنعم الله تعالى علي عبده وترادف فضله وإحسانه، وهذا يتضمن شكر المنعم سبحانه وتعالى؛ لأن من أعظم الدواعي لشكر النعم تذكر النعمة والاعتراف بها، ومن مظاهر التقصير في الشكر الغفلة عن النعم، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: ١٨] وهذا يفيد أنهم لن يقوموا بالشكر علي الوجه المطلوب؛ لأن من لا يحصي نعمة الله عليه كيف يقوم بشكرها؟.

وفيه الاعتراف بالذنب الذي يستدعي من العبد لزوم الاستغفار، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (متى شهد العبد هذين الأمرين استقامت له العبودية، وترقي في درجات المعرفة والإيمان، وتصاغرت إليه نفسه، وتواضع لربه، وهذا هو كمال العبودية، وبه يبرأ من العجب والكبر، وزينة العمل) (٢).

وقال ابن القيم: (العبد يسير إلي الله بين مَشَاهِدِ مِنَّتِهِ عليه ونعمه وحقوقه، وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته، وهو يعلم أن ربه لو عذبه أشد العذاب لكان قد عدل فيه، وأن أقضيته كلها عدل فيه، وأن ما هو فيه من الخير فمجرد فضله ومنته وصدقته عليه، ولهذا كان في حديث سيد


(١) "جامع العلوم والحكم" شرح حديث (٤٢).
(٢) انظر: "المجموعة العليّة من كتب ورسائل وفتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية" ص (٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>