للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (إلا الإقامة) فسرها الحافظ بقوله: يعني قد قامت الصلاة، ثم رأيته هكذا عند ابن خزيمة (١).

والمعنى: أنها تُشْفَعُ فتكرر مرتين؛ لأنها المقصودة، فصار لها مزيد عناية.

والحكمة من ذلك - والله أعلم - أنه لما كان الأذان للبعيدين ناسب تكراره ليتحقق سماعهم، بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين في الأصل، ولغيرهم بالتبعية.

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن المشروع في الأذان أن يكون أكثره شفعاً، وفي الإقامة أن يكون أكثرها وتراً؛ لأن الأذان لإعلام الغائبين، ومن ثم استحب أن يكون على مكان عال، وبصوت مرتفع، وأن يكون بتمهل وبدون إسراع، كل ذلك لقصد الإسماع.

وأما الإقامة فهي للحاضرين، ومن ثم تكون بسرعة متوسطة، ولا يكرر إلا التكبير، ولفظ الإقامة (قد قامت الصلاة) فإنها تكرر مرتين؛ لأنها المقصودة بالذات، ولذا قال العلماء: (يكره رفع الصوت في الإقامة، دونه في الأذان)، ذكره النووي (٢).

الوجه الرابع: استدل بعض العلماء (٣) بهذا الحديث على أن المؤذن يجمع بين تكبيرتين بنَفَس واحد، لقوله: (يشفع الأذان) وهذا الاستدلال ليس في محله، وإلا لزم جمع الشهادتين في نفس واحد، وكذا الحيعلتين، وإنما المراد بالحديث كما تقدم أن جمل الأذان مشفوعة، أي: مثناة لا وتر، سوى التهليل فهو مرة واحدة، وقد بَوَّبَ البخاري على هذا الحديث (باب: الأذان مثنى مثنى) كما تقدم، كما استدلوا بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعاً: (إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال أشهد أن لا إله إلا الله … الحديث) وسيأتي


(١) "صحيح ابن خزيمة" (١/ ١٩٤).
(٢) "شرح صحيح مسلم" (٣/ ٣٢١).
(٣) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٣/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>