للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الحافظ ابن رجب: (والحديث نص صريح في جواز مثل هذا العمل في الصلاة المكتوبة، وأن ذلك لا يكره فيها، فضلاً عن أن يبطلها .. ) (١).

وقد ذكر العلماء لهذا الحديث تأويلات بعيدة، والذي أحوجهم إلى ذلك أنه شغل كثير، كما ذكر القرطبي (٢)، فقال بعضهم: إنه خاص بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وقال آخرون: إن أُمامة كانت تعلَّق به من دون فعل منه، وبعضهم قال: إن هذا في النافلة، وبعضهم قال: هذا للضرورة وإذا لم يوجد من يكفي الطفل ويحفظه، وبعضهم قال: إنه منسوخ بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة بغيرها، وهذا قاله ابن عبد البر، ومال إليه القرطبي.

وهذه دعاوى لا يلتفت إليها، وبعضها يرده سياق الحديث، كما تقدم؛ فالصواب أن مثل هذا العمل لا يؤثر في الصلاة.

وقد اختلف العلماء في ضابط الحركة التي تبطل الصلاة، فمن أهل العلم من حددها بثلاث حركات، ونسب هذا إلى ابن عقيل الحنبلي (٣)، وهو قول ضعيف لأمرين:

الأول: أن كل من حدد شيئاً بعدد معين أو كيفية معينة فعليه الدليل؛ لأن التقدير بابه التوقيف، وهذا لا توقيف فيه (٤).

الثاني: أنه ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم حمل أمامة، كما في هذا الحديث، وفي صلاة الكسوف تقدم ورجع وتأخر (٥).

وقال آخرون: يُرجع في هذا إلى العرف، فما عُدَّ في العرف كثيراً فهو كثير يبطل الصلاة، وما عُدّ في العرف يسيراً فهو يسير لا يبطلها، وهذا هو المذهب عند الحنابلة (٦)، وهذا فيه شيء من الضعف؛ لأن الأعراف تختلف


(١) "فتح الباري" (٤/ ١١٤).
(٢) "المفهم" (٢/ ١٥٢).
(٣) "الإنصاف" (٢/ ٩٨).
(٤) "الشرح الكبير على المقنع" (٣/ ٦١٣).
(٥) أخرجه البخاري (١٠٥٢)، ومسلم (٥٢٥).
(٦) "الإنصاف" (٢/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>