للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكن ذكر الحافظ أن هذا يشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر، لا لخصوص عدد معين (١).

وقد مال الطحاوي إلى أن حديث أبي هريرة - هذا - متأخر عن حديث الباب الذي هو حديث أبي جهيم؛ لأن في حديث أبي هريرة زيادة في الوعيد، وهذا يناسب تأخره تغليظاً، لا تقدمه، فيكون ما في حديث الباب تخفيفاً؛ لأن المقام مقام زجر وتخويف، والله أعلم.

الوجه الرابع: الحديث دليل على تحريم المرور بين يدي المصلي، وأنه من المسائل التي جاء فيها الوعيد، وقد ذكر الشوكاني أن هذا دليل على أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر (٢)، وذلك - والله أعلم - لأن المصلي واقف بين يدي الله تعالى يناجيه، وفي المرور بين يديه قطع لمناجاته، وتشويش عليه، وقد نقل ابن حزم الإجماع على أنه آثم (٣).

وقد عبّر جمع من أهل العلم كابن عبد البر وابن حزم والبغوي بكراهة المرور بين يدي المصلي، والظاهر أن المراد كراهة التحريم، لما ثبت في ذلك من الوعيد الشديد (٤)، ولَمَّا قال الترمذي: (والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، كرهوا المرور بين يدي المصلي)، قال الشارح المباركفوري: (المراد بالكراهة عند الترمذي: التحريم) (٥)، فيجب على المسلم أن يحذر المرور بين يدي المصلي أو التساهل في ذلك، خشية الوقوع تحت هذا الوعيد، كما أنه ينبغي للمصلي أن يبتعد عن الصلاة في طرق الناس والأمكنة التي لا بدّ لهم من المرور بها، كالممرات في مثل المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمساجد الكبيرة؛ لئلا يعرض صلاته للنقص أو التشويش، ويعرض المارة للإثم، أو الحرج بالوقوف حتى يفرغ من صلاته.


(١) "فتح الباري" (١/ ٥٨٥).
(٢) "نيل الأوطار" (٣/ ٨).
(٣) "مراتب الإجماع" (٣٥).
(٤) "فتح الباري" لابن رجب (٤/ ٩٥).
(٥) "التحفة" (٢/ ٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>