للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثاني: هذه الأحاديث الثلاثة دليل على أن المصلي إذا لم يجعل له سترة لصلاته يكون أعلاها بقدر مؤخرة الرحل فإنه يقطع صلاته واحد من ثلاثة أشياء: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، فإن وضع سترة أمامه لم يضرَّه ما مرَّ من ورائها ولو كان واحداً من هذه الثلاثة.

والمراد بقطع الصلاة: فسادها وإبطالها، وهذا قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم: أبو هريرة وأنس وابن عباس - في رواية عنه - وبه قال الحسن البصري، وهو رواية عن الإمام أحمد، حكاها المرداوي (١) واختارها المجد، ورجحها الشارح عبد الرحمن بن قدامة، ومال إليها الموفَّق (٢)، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (٣)، وتلميذه ابن القيم (٤)، قال المرداوي: (وهو الصواب).

والقول الثاني: أن هذه الأشياء وغيرها لا تقطع الصلاة ولا تبطلها، إنما المراد بأحاديث القطع: نقص الصلاة، لشغل القلب بهذه الأشياء، وهو قول مالك، وأبي حنيفة، والشافعي، ورواية عن أحمد (٥).

واستدلوا بحديث أبي سعيد الآتي في آخر الباب: (لا يقطع الصلاة شيء)، وهو حديث ضعيف، لا تقوم به حجة، كما سيأتي إن شاء الله.

والقول الثالث: إن الصلاة لا يقطعها ويبطلها إلا مرور الكلب الأسود فقط، ولا تبطل بمرور المرأة ولا الحمار، وهذا قول أحمد وإسحاق، قال الأثرم: سئل أبو عبد الله: ما يقطع الصلاة؟ قال: لا يقطعها عندي إلا الأسود البهيم (٦).


(١) "تصحيح الفروع" (١/ ٤٧٢).
(٢) "المغني" (٣/ ٩٧)، "الشرح الكبير" (٣/ ٦٤٨).
(٣) "الفتاوى" (٢١/ ١٦).
(٤) "زاد المعاد" (١/ ٣٠٦).
(٥) "شرح معاني الآثار" (١/ ٤٦٠)، "بداية المجتهد" (١/ ٤٢٨)، "المجموع" (٣/ ٢٥٠)، "المغني" (٣/ ٩٧).
(٦) "المغني" (٣/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>