وبالجملة فمن عَوَّلَ على شواهده رأى ثبوت الحديث، وأن إسناده حسن، وأن الاستفتاح بما ذكر فيه ثابت، فإنه وإن تُكُلِّمَ في علي بن علي الرفاعي فقد وثقه من ذكر، ومثل ذلك لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، ومن قدح فيه وطعن في شواهده رأى عدم ثبوته، ويكفي في هذا ما تقدم عن الإمام أحمد وابن خزيمة.
الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:
قوله:(أعوذ بالله)، مضارع (عاذ) وهذا اللفظ وما تصرف منه يدور على معنى التحرز والتحصن والنجاة، ومعنى ذلك: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك ويحميك منه.
قوله:(من الشيطان الرجيم) من: لابتداء الغاية ولو لم توجد (إلى) الدالة على انتهاء الغاية، كما ذكر ذلك ابن مالك وابن الحاجب، لأن الغرض ابتداء الاستعاذة من الشيطان مع استمرارها وعدم انقطاعها.
والشيطان: اسم مفرد أريد به جنس الشياطين، بدليل الجمع في قوله تعالى:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}[المؤمنون: ٩٧]، وأل فيه للعموم، لأن الشياطين كثيرة، من الإنس والجن والدواب المرئية وغير المرئية، وهو مأخوذ من (شَطَنَ) إذا بَعُدَ، سمي بذلك لبعده من الحق والخير وتمرده، وقيل: من شاط يشيط، إذا هلك واحترق، والأول أظهر، بل إنه أصح (١).
الرجيم: فعيل بمعنى مفعول، أي: مرجوم، وصف بذلك إما لأنه رُجم عن استراق السمع، أو لأنه رجم باللعنة والمقت وعدم الرحمة، أو بمعنى: فاعل، أي يرجم الناس بالإغواء ويُزين لهم الشر ويحبب لهم الفساد.
قوله:(من همزه)، بدل اشتمال من الشيطان، وقد ورد تفسير هذه الكلمات الثلاث في رواية أبي داود وابن ماجه من حديث عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه .. وفيه قال عمرو بن مرة: نفثه: الشعر، ونفخه: الكِبْر، وهمزه: المُوتَةُ.