للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويرى بعض العلماء أن القرينة التي صرفت الأمر في الآية إلى الندب هي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يعلِّم المسيء في صلاته الاستعاذة، وقد تقدم الجواب عن مثل هذا، وأنه لا يصلح دليلاً لمثل هذا الاستدلال.

ومحل الاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى، لهذا الحديث وغيره، لأن الاستعاذة للقراءة، وليست للصلاة، إذ لو كانت للصلاة لكانت تلي تكبيرة الإحرام أو قبل تكبيرة الإحرام، وأما الآية الكريمة: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨]، فالمراد بها: إذا أردت القراءة، جمعاً بين الأدلة، وهذا التأويل له نظائر كثيرة في القرآن والسنة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦]، وفي الحديث: (إذا توضأ أحدكم فليستنثر) وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يستنثر في أول وضوئه لا في آخره، وفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم مفسر للآية، ولأن الاستعاذة قبل القراءة مراد بها الالتجاء إلى الله تعالى والاعتصام به من الشيطان ليكون بعيداً عن قلب القارئ حين يتلو كتاب الله، حتى يحصل له تدبر القرآن وتفهم معانيه والانتفاع به.

وأما صيغة الاستعاذة فالأمر فيها واسع، فكيفما تعوذ فهو حسن، لإطلاق الآية، واختار بعض العلماء صيغة الآية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، أو يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، فكل ذلك وارد، وإن تعوذ بهذا تارة وبهذا تارة على قاعدة العبادات الواردة على وجوه متنوعة فحسن.

الوجه الرابع: يرى أبو حنيفة وأحمد في رواية عنه، وهو قول للشافعي أن الاستعاذة تختص بالركعة الأولى (١)، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح للقراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت (٢)، وعدم السكوت دليل على أنه لا يستعيذ، ولأن


(١) "الهداية" (١/ ٥١)، "الإنصاف" (٢/ ٧٣).
(٢) أخرجه مسلم (٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>