وظاهر الحديث يقتضي أن الركعة الأولى والثانية سواء، وهذا يخالف حديث أبي قتادة رضي الله عنه المتقدم:(ويطول الركعة الأولى)، وفي رواية أن النبي صلّى الله عليه وسلّم (كان يطول الركعة الأولى من صلاة الظهر، ويقصر في الثانية .. )(١)، وقد اختلف العلماء في الإجابة عن ذلك:
فمنهم من سلك مسلك الترجيح فرجَّح حديث أبي قتادة على حديث أبي سعيد لأمرين:
الأول: أنه متفق عليه، وحديث أبي سعيد في مسلم فقط.
الثاني: أن حديث أبي قتادة جاء بصيغة الجزم، وحديث أبي سعيد قال:(حزرنا قيامه)، وفرق بين الجزم بالشيء وبين حزره وتقديره، على أنه قد يقال: إن التقدير بقراءة الآيات تقدير زمني، لا يلزم منه الفعل.
وسلك آخرون مسلك الجمع وهو أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يفعل هذا أحياناً، ويفعل هذا أحياناً، وهذا وجيه جداً لأمرين:
الأول: أن القاعدة في الأصول أنه متى أمكن الجمع بين الدليلين فهو أولى من الترجيح، لأن الجمع عمل بكلا الدليلين، أما الترجيح ففيه ترك لأحدهما.
الثاني: أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، وقد تنوعت كثير من أقوالها وأفعالها، كما تقدم، وكما سيأتي، فيكون تنوع مقدار القراءة من هذا الباب، والله أعلم.
الوجه الخامس: حديث أبي سعيد رضي الله عنه فيه دليل على أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يقرأ زيادة على الفاتحة في الأخرين، لأن الفاتحة سبع آيات، وقد ذكر أن قراءته فيها قدر خمس عشرة آية، وقد تقدم في حديث أبي قتادة أنه يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب، فيؤخذ منه أنه لا يزيد على فاتحة الكتاب، قال ابن قدامة: (أكثر أهل العلم يرون أن لا تسن الزيادة على فاتحة الكتاب في غير