صرف إلى الكعبة يئسوا منه، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أنهم دعوه إلى دينهم، فنزلت، قاله مقاتل. والثالث: أنهم كانوا يسألونه الهدنة، ويطمعونه في أنه إن هادنهم وافقوه فنزلت، ذكر معناه الزجاج.
قال الزجاج: والملة في اللغة: السنة والطريقه «١» . قال ابن عباس: وهُدَى اللَّهِ هاهنا:
الإسلام. وفي الذي جاءه من العلم أربعة أقوال: أحدها: أنه التحول إلى الكعبة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه البيان بأن دين الله الإسلام. والثالث: أنه القرآن. والرابع: العلم بضلالة القوم. ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ينفعك وَلا نَصِيرٍ يمنعك من عقوبته.
[سورة البقرة (٢) : الآيات ١٢١ الى ١٢٤]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)
قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ. اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على قولين: أحدهما: أنها نزلت في الذين آمنوا من اليهود، قاله ابن عباس. والثاني: في المؤمنين من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قاله عكرمة، وقتادة. وفي الكتاب قولان: أحدهما: أنه القرآن، قاله قتادة. والثاني: أنه التوراة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، أي: يعملون به حق عمله، قاله مجاهد. قوله تعالى: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ في هاء بِهِ قولان: أحدهما: أنها تعود على الكتاب. والثاني: على النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وما بعد هذا قد سبق بيانه إلى قوله: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ، والابتلاء: الاختبار. وفي إبراهيم ست لغات: أحدها: إِبراهيم، وهي اللغة الفاشية. والثانية: إبراهُم. والثالثة: ابراهَم. والرابعة: إِبراهِمْ، ذكرهن الفراء. والخامسة: إِبراهام. والسادسة: إِبرهم. قال عبد المطلب:
عذت بما عاذ به إِبرهم ... مستقبل الكعبة وهو قائم
وقال أيضا:
نحن آل الله في كعبته ... لم يزل ذاك على عهد ابرهم
(١) قال القرطبي رحمه الله ٢/ ٩١: والملّة: اسم لما شرعه الله لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله: فكانت الملّة والشريعة سواء. فأما الدين فقد فرّق بينه وبين الملّة والشريعة، فإن الملّة والشريعة ما دعا الله عباده إلى فعله، والدّين ما فعله العباد عن أمره. تمسّك بهذه الآية جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة والشافعي وداود وأحمد بن حنبل على أن الكفر كله ملة واحدة لقوله تعالى مِلَّتَهُمْ فوحّد الملّة وبقوله تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ وبقوله عليه السّلام: «لا يتوارث أهل ملتين» على أن المراد به الإسلام والكفر بدليل قوله عليه السّلام: «لا يرث المسلم الكافر» . وذهب مالك وأحمد في الرواية الأخرى إلى أن الكفر ملل فلا يرث اليهودي النصراني، ولا يرثان المجوسي، أخذا بظاهر قوله عليه السّلام: «لا يتوارث أهل ملتين» .