قوله تعالى: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي: على يقين وبصيرة. قال ابن الأنباري: وقوله:
«إِن كنت» شرط لا يوجب شكّاً يلحقه، لكن الشك يلحق المخاطَبين من أهل الزيغ، فتقديره: إِن كنتُ على بينة من ربي عندكم. وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فيها قولان:
أحدهما: أنها النبوَّة، قاله ابن عباس. والثاني: الهداية، قاله مقاتل.
قوله تعالى: فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم:«فَعَمِيَتْ» بتخفيف الميم وفتح العين. قال ابن قتيبة: والمعنى: عميتم عنها، يقال: عمي عليَّ هذا الأمر: إِذا لم أفهمه، وعميت عنه بمعنى. قال الفراء: وهذا مما حوَّلت العرب الفعل إِليه، وهو في الأصل لغيره، كقولهم: دخل الخاتم في يدي، والخف في رجلي، وإِنما الإِصبع تدخل في الخاتم، والرجل في الخف، واستجازوا ذلك إِذ كان المعنى معروفاً. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم:«فعُمِّيَتْ» بضم العين وتشديد الميم. قال ابن الأنباري: ومعنى ذلك: فعمّاها الله عليكم إِذ كنتم ممن حُكم عليه بالشقاء. وكذلك قرأ أُبَيّ بن كعب، والأعمش:«فعمّاها عليكم» . وفي المشار إليها قولان: أحدهما: البيِّنة. والثاني: الرحمة.
قوله تعالى: أَنُلْزِمُكُمُوها أي: أنُلزمكم قبولها؟ وهذا استفهام معناه الإنكار، يقول: لا نقدر أن نُلزمكم من ذات أنفسنا. قال قتادة: والله لو استطاع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم لألزمها قومه، ولكن لم يملك ذلك «١» . وقيل: كان مراد نوح عليه السلام ردَّ قولهم: وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فبيَّن فضله وفضل مَن آمن به بأنه على بيِّنة من ربه، وقد آتاه رحمةً من عنده، وسُلب المكذِّبون ذلك. قوله تعالى: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أي: على نصحي ودعائي إياكم مالاً فتتهموني. وقال ابن الأنباري: لما كانت الرحمة بمعنى الهدى والإِيمان، جاز تذكيرها. قوله تعالى: وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا قال ابن جريج: سألوه طردهم أنفة منهم، فقال: لا يجوز لي طردهم، إِذ كانوا يلقون الله فيجزيهم بايمانهم، ويأخذ لهم ممن ظلمهم وصغَّر شؤونهم. وفي قوله تعالى: وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ قولان:
أحدهما: تجهلون أن هذا الأمر من الله تعالى، قاله ابن عباس. والثاني: تجهلون لأمركم إِياي بطرد المؤمنين، قاله أبو سليمان.