للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنا ابنُ الذي لا يُنْزَل الدهرَ قِدرُه ... وإِن نزلتْ يوماً فسَوف تعود

ترى الناسَ أفواجاً إِلى ضوءِ ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود

فظنّ الطّائف أنه ابن بعض أشراف البصرة، فلما أصبح سأل عنه، فإذا هو ابن باقلّائي. ومثل هذا كثير.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٦٤ الى ٦٧]

فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧)

قوله تعالى: فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فيه قولان: أحدهما: رجع بعضهم إِلى بعض. والثاني:

رجع كلٌّ منهم إِلى نفسه متفكِّراً.

قوله تعالى: فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ فيه خمسة أقوال: أحدها: حين عبدتم من لا يتكلم، قاله ابن عباس. والثاني: حين تتركون آلهتكم وحدها، وتذهبون، قاله وهب بن منبه. والثالث: في عبادة هذه الأصاغر مع هذا الكبير، روي عن وهب أيضاً. والرابع: لإِبراهيم حين اتهمتموه والفأس في يد كبير الأصنام، قاله ابن إِسحاق، ومقاتل. والخامس: أنتم ظالمون لإِبراهيم حين سألتموه، وهذه أصنامكم حاضرة، فاسألوها، ذكره ابن جرير.

قوله تعالى: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ وقرأ أبو رزين العقيلي، وابن أبي عبلة، وأبو حيوة:

«نُكِّسوا» برفع النون وكسر الكاف مشددة. وقرأ سعيد بن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري:

«نَكَسوا» بفتح النون والكاف مخفَّفة. قال أبو عبيدة: «نُكِسوا» : قُلِبوا، تقول: نكستُ فلاناً على رأسه إِذا قهرته وعلوته.

ثم في المراد بهذا الانقلاب ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أدركتْهم حيرةٌ، فقالوا: لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ، قاله قتادة. والثاني: رجعوا إِلى أول ما كانوا يعرفونها به من أنها لا تنطق، قاله ابن قتيبة.

والثالث: انقلبوا على إبراهيم يحتجّون عليه بعد أن أقرّوا به ولاموا أنفسهم في تهمته، قاله أبو سليمان.

وفي قوله: لَقَدْ عَلِمْتَ إِضمار «قالوا» ، وفي هذا إِقرار منهم بعجز ما يعبدونه عن النُّطق، فحينئذ توجهت لإِبراهيم الحُجَّة، فقال موبّخاً لهم: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ أي: لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئاً وَلا يَضُرُّكُمْ إِذا لم تعبدوه، وفي هذا حثٌّ لهم على عبادة من يملك النفع والضُّر، أُفٍّ لَكُمْ قال الزجاج: معناه: النتن لكم فلمّا لزمتهم الحجة غضبوا، فقالوا: حَرِّقُوهُ. وذُكر في التفسير أن نمرود استشارهم، بأيِّ عذاب أعذِّبه، فقال رجل: حرِّقوه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.


(١) قال الطبري رحمه الله ٩/ ٤١: وقال بعض أهل العربية: معنى ذلك: ثم رجعوا عما عرفوا من حجة إبراهيم، فقالوا: لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. وإنما اخترنا القول الذي قلنا في معنى ذلك، لأن نكس الشيء على رأسه: قلبه على رأسه، وتصير أعلاه أسفله، ومعلوم أن القوم لم يقلبوا على رؤوسهم، وأنهم إنما نكست حجتهم، فأقيم الخبر عنهم، مقام الخبر عن حجتهم. فنكس الحجة لا شك، إنما هو احتجاج المحتجّ على خصمه بما هو حجة لخصمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>