للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جائز أن يكون أكبرها في ذاته، وجائز أن يكون أكبرها عندهم في تعظيمهم إِياه، لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى الصنم، ثم فيه قولان: أحدهما: لعلهم يرجعون إِليه فيشاهدونه، هذا قول مقاتل. والثاني: لعلهم يرجعون إِليه بالتهمة، حكاه أبو سليمان الدمشقي. والثاني: أنها ترجع إِلى إِبراهيم. والمعنى: لعلهم يرجعون إِلى دين إبراهيم بوجوب الحجّة عليهم، قاله الزّجّاج.

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٥٩ الى ٦٣]

قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣)

فلما رجعوا من عيدهم ونظروا إِلى آلهتهم قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ أي: قد فعل ما لم يكن له فِعْلُه، فقال الذي سمع إِبراهيم يقول: «لأكيدن أصنامكم» : سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ قال الفراء: أي يعيبهم تقول للرجل: لئن ذكرتَني لتندمنَّ، تريد: بسوء.

قوله تعالى: فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ أي: بمرأىً منهم «١» ، لا تأتُوا به خفْيةً. قال أبو عبيدة:

تقول العرب إِذا أُظهر الأمر وشُهر: كان ذلك على أعين الناس.

قوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ فيه ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: يشهدون أنه قال لآلهتنا ما قال، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة. والثاني: يشهدون أنه فعل ذلك، قاله السدي.

والثالث: يشهدون عقابه وما يُصنَع به، قاله محمد بن إِسحاق.

قال المفسرون: فانطلَقوا به إِلى نمرود، فقال له: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا غضب أن تُعبَد معه الصّغار، فكسرها، فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ من فَعَلَه بهم؟! وهذا إِلزام للحُجَّة عليهم بأنهم جماد لا يقدرون على النُّطق.

واختلف العلماء في وجه هذا القول من إِبراهيم عليه السلام على قولين: أحدهما: أنه وإِن كان في صورة الكذب، إِلا أن المراد به التنبيه على أن من لا قدرة له، لا يصلح أن يكون إِلهاً، ومثله قول الملَكين لداود: إِنَّ هذا أَخِي ولم يكن أخاه لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً «٣» ، ولم يكن له شيء، فجرى هذا مجرى التّنبيه لداود على ما فعل، أنه هو المراد بالفعل والمَثَل المضروب ومِثْل هذا لا تسمِّيه العرب كذباً. والثاني: أنه من معاريض الكلام فروي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله تعالى: بَلْ فَعَلَهُ ويقول: معناه: فعله من فعله، ثم يبتدئ كَبِيرُهُمْ هذا. قال الفراء: وقرأ بعضهم: «بل فعله»


(١) قال ابن كثير رحمه الله ٣/ ٢٣١: وقوله: فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ أي: على رؤوس الأشهاد في الملأ الأكبر بحضرة الناس كلهم، وكان هذا هو المقصود الأكبر لإبراهيم أن يبين في هذا المحفل العظيم كثرة جهلهم وقلة عقولهم في عبادة هذه الأصنام، التي لا تدفع عن نفسها ضرا.
(٢) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١١/ ٢٦٢: لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ طعنه على آلهتهم ليعلموا أنه يستحق العقاب. قلت: وفي هذا دليل على أنه كان لا يؤاخذ أحد بدعوى أحد.
(٣) سورة ص: ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>