للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صورة الرجال، فأتوا مسجد بني إِسرائيل وهم يتحدثون بأمر عيسى، ويقولون: مولود من غير أب.

فقال إِبليس: ما هذا ببشر، ولكن الله أحبَّ أن يتمثّل في امرأةٍ ليختبر العباد، فقال أحد صاحبيه: ما أعظم ما قلت، ولكن الله أحب أن يتخذ ولداً. وقال الثالث: ما أعظم ما قلت، ولكن الله أراد أن يجعل إِلها في الأرض، فألقوا هذا الكلام على ألسنة الناس، ثم تفرَّقوا، فتكلم به الناس. وقال محمد بن كعب: لمّا رفع عيسى اجتمع مائة من علماء بني إِسرائيل، وانتخبوا منهم أربعة، فقال أحدهم:

عيسى هو الله كان في الأرض ما بدا له، ثم صعِد إِلى السماء، لأنه لا يحيي الموتى ولا يبرئ الأكمه والأبرص إِلا الله. وقال الثاني: ليس كذلك، لأنا قد عرفنا عيسى، وعرفنا أُمه، ولكنّه ابن الله. وقال الثالث: لا أقول كما قلتما، ولكن جاءت به أُمه من عمل غير صالح. فقال الرابع: لقد قلتم قبيحاً، ولكنه عبد الله ورسوله، وكلمته، فخرجوا، فاتبع كلَّ رجل منهم عُنُقٌ «١» من الناس. قال المفسّرون:

ومعنى الآية: أن النصارى قالت: الإِلهية مشتركة بين الله وعيسى ومريم، وكل واحد منهم إِلهٌ. وفي الآية إِضمار، فالمعنى: ثالث ثلاثة آلهة، فحذف ذكر الآلهة، لأن المعنى مفهوم، لأنه لا يكفر من قال: هو ثالث ثلاثة، ولم يرد الآلهة، لأنه ما من اثنين إِلا وهو ثالثهما، وقد دل على المحذوف قوله تعالى: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ. قال الزجاج: ومعنى ثالث ثلاثة: أنه أحد ثلاثة. ودخلت «من» في قوله تعالى: وَما مِنْ إِلهٍ للتوكيد. والذين كفروا منهم، هم المقيمون على هذا القول. وقال ابن جرير: المعنى: ليَمسّن الذين يقولون: المسيح هو الله، والذين يقولون: إِن الله ثالث ثلاثة، وكلّ كافر يسلك سبيلهم، عذاب أليم.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٤]]

أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٤)

قوله تعالى: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ قال الفراء: لفظه لفظ الاستفهام، ومعناه الأمر، كقوله تعالى: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٥]]

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)

قوله تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ فيه ردٌ على اليهود في تكذيبهم رسالته، وعلى النصارى في ادّعائهم إِلهيَّته. والمعنى: أنه ليس بالهٍ، وإِنما حكمُه حكم من سبقه من الرسل. وفي قوله تعالى: وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ردٌ على من نسبها من اليهود إِلى الفاحشة. قال الزجاج: والصدّيقة: المبالغة في الصدق، وصدِّيق «فعِّيل» من أبنية المبالغة، كما تقول: فلانٌ سكّيت، أي: مبالغ في السكوت. وفي قوله تعالى: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ قولان: أحدهما: أنه بيّن أنهما يعيشان بالغذاء، ومن لا يُقيمه إِلا أكل الطعام فليس باله، قاله الزجاج. والثاني: أنه نبه بأكل الطعام على عاقبته، وهو الحدث، إِذ لا بد لآكل الطعام من الحدث، قاله ابن قتيبة. قال: وقوله تعالى: انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ من ألطف ما يكون من الكناية. و «يؤفكون» : يُصرفون عن الحق ويُعدَلون، يقال: أفِك الرجل عن كذا:


(١) في «اللسان» العنق: الجماعة الكثيرة من الناس. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>