للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جانب، قال ابن قتيبة: يقال: خَيْرٌ طَاحٍ، أي: كثير متّسع.

وفي المراد «بالنّفس» هاهنا قولان: أحدهما: آدم، قاله الحسن. والثاني: جميع النفوس، قاله عطاء. وقد ذكرنا معنى «سوَّاها» في قوله عزّ وجلّ: فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. قوله: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها الإلهام: إيقاع الشيء في النفس. قال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها، وقال ابن زيد: جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى، وخذلانه إياها للفجور.

قوله عزّ وجلّ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها قال الزجاج: هذا جواب القسم. والمعنى: لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال، فصار طوله عوضاً منها. وقال ابن الأنباري: جوابه محذوف. وفي معنى الكلام قولان: أحدهما: قد أفلحت نفس زكاها الله عزّ وجلّ، قاله ابن عباس، ومقاتل والفراء، والزجاج. والثاني: قد أفلح من زكّى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال، قاله قتادة، وابن قتيبة. ومعنى زَكَّاها: أصلحها وطهّرها من الذنوب. قوله: وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها فيه قولان: كالذي قبله.

فإن قلنا: إن الفعل لله، فمعنى «دساها» : خذلها، وأخملها، وأخفى محلها بالكفر والمعصية، ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح.

وإن قلنا: الفعل للإنسان، فمعنى «دساها» : أخفاها بالفجور. قال الفراء: ويروى أن «دَسَّاها» دَسَّسَهَا لأن البخيل يخفي منزله وماله. وقال ابن قتيبة: والمعنى: دسى نفسه، أي: أخفاها بالفجور والمعصية. والأصل من دَسَّسَتُ، فقلبت السين ياءً، كما قالوا: قصَّيت أظفاري، أي: قصصتها. فكأن النَّطِفَ بارتكاب الفواحش دس نفسه، وقمعها، ومُصْطَنِعُ المعروف شهر نفسه ورفعها، وكانت أجواد العرب تنزل الرُّبا للشهرة. واللئام تنزل الأطراف لتخفي أماكنها. وقال الزّجّاج: معنى «دسّاها» جعلها قليلة خسيسة.

[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١١ الى ١٥]

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)

قوله عزّ وجلّ: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها أي: كذبت رسولها بطغيانها. والمعنى: أن الطغيان حملهم على التكذيب. قال الفراء: أراد بطغواها: طغيانها، وهما مصدران، إلا أنّ الطّغوى أشكل برءوس الآيات، فاختير لذلك. وقيل: كذبوا العذاب إِذِ انْبَعَثَ أي: انْتَدَبَ أَشْقاها وهو: عاقر الناقة يعقرها فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ وهو صالح ناقَةَ اللَّهِ قال الفراء: نصب الناقة على التحذير، وكلّ تحذير فهو نصب. وقال ابن قتيبة: احذروا ناقة الله وشربها. وقال الزجاج: المعنى: ذروا «ناقة الله» وذروا «سقياها» قال المفسرون: سقياها: شربها من الماء. والمعنى: لا تتعرَّضوا ليوم شربها فَكَذَّبُوهُ في تحذيره إياهم العذاب بعقرها فَعَقَرُوها وقد بيَّنا معنى «العقر» في الأعراف «١» فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ قال الزجاج: أي: أطبق عليهم العذاب. يقال: دمدمت على الشيء: إذا أطبقت فكرَّرت الإطباق. وقال المؤرّج: الدّمدمة: إهلاك باستئصال.


(١) الأعراف: ٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>