للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبيدة: في هذه الآية مضمر مجازه: عند مَنْ في السماء رزقُكم، وعنده ما توعدون، والعرب تُضْمِر، قال نابغة ذبيان:

كأنكَ مِنْ جِمالِ بَني أُقَيش ... يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنِّ «١»

أراد: كأنك جملٌ من جِمال بني أُقَيش.

قوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ قال الزجاج: يعني ما ذكره من أمر الآيات والرِّزق وما توعدون وأمر النبي صلّى الله عليه وسلم مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ قرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «مِثْلُ» برفع اللام. وقرأ الباقون بنصب اللام. قال الزجاج: فمن رفع «مِثْلُ» فهي من صفة الحق، والمعنى: إنه لَحَقٌ مِثْلُ نُطْقكم ومن نصب فعلى ضربين: أحدهما: أن يكون في موضع رفع، إلا أنه لمّا أُضيف إلى «أنَّ» فُتح. والثاني: أن يكون منصوبا على التأكيد، على معنى: إنه لَحَقٌ حَقّاً مِثْلَ نُطقكم، وهذا الكلام كما تقول: إنه لَحَقٌ كما أنَّك تتكلّم.

[سورة الذاريات (٥١) : الآيات ٢٤ الى ٣٧]

هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨)

فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)

مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧)

قوله تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ «هل» بمعنى «قد» في قول ابن عباس، ومقاتل، فيكون المعنى: قد أتاك فاستمع نقصصه عليك، وضيفه: هم الّذين جاءوا بالبشرى. وقد ذكرنا عددهم في هود «٢» ، وذكرنا هناك معنى الضَّيف. وفي معنى «المُكْرَمِينَ» أربعة أقوال: أحدهما:

لأنه أكرمهم بالعِجْل، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مجاهد. والثاني: بأن خدمهم هو وامرأته بأنفُسهما، قاله السدي. والثالث: أنهم مُكْرَمون عند الله، قاله عبد العزيز بن يحيى. والرابع: لأنهم أضياف، والأضياف مُكْرَمون، قاله أبو بكر الورَّاق.

قوله تعالى: فَقالُوا سَلاماً قد ذكرناه في هود «٣» .

قوله تعالى: قَوْمٌ مُنْكَرُونَ قال الزجاج: ارتفع على معنى: أنتم قومٌ مُنْكَرونَ. وللمفسرين في سبب إنكارهم أربعة أقوال: أحدها: لأنه لم يعرفهم، قاله ابن عباس. والثاني: لأنهم سلَّموا عليه، فأنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض، قاله أبو العالية. والثالث: لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان. والرابع: لأنه رأى فيهم صورة البشر وصورة الملائكة.


(١) في «القاموس» الشنّ: وبهاء القربة الخلق.
(٢) هود: ٧٠.
(٣) هود: ٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>