قوله تعالى: وَحُرِّمَ ذلِكَ وقرأ أُبيّ بن كعب وأبو المتوكل وأبو الجوزاء: «وحَرَّمَ اللهُ ذلك» بزيادة اسم الله تعالى مع فتح حروف «حَرَّمَ» . وقرأ زيد بن علي: «وحَرُمَ ذلك» بفتح الحاء وضم الراء مخففة. ثم فيه قولان: أحدهما: أنه نكاح الزواني، قاله مقاتل. والثاني: الزنا، قاله الفراء.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤ الى ٥]
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)
قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ شرائط الإِحصان في الزنا الموجب للرجم عندنا أربعة:
البلوغ، والحرية، والعقل، والوطء في نكاح صحيح. فأما الإِسلام، فليس بشرط في الإِحصان، خلافا لأبي حنيفة، ومالك. ومعنى الآية: يرمون المحصنات بالزنا، فاكتفى بذكره المتقدِّم عن إِعادته ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا على ما رمَوْهُنَّ به بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ عدول يشهدون أنهم رأوهنَّ يفعلْنَ ذلك فَاجْلِدُوهُمْ يعني القاذفين.
[فصل:]
وقد أفادت هذه الآية أنَّ على القاذف إِذا لم يُقم البيِّنة، الحدَّ، وردَّ الشهادة وثبوتَ الفِسْق، واختلفوا هل يُحكَم بفسقه وردِّ شهادته بنفس القذف، أم بالحدِّ؟ فعلى قول أصحابنا: إِنه يُحكم بفسقه وردِّ شهادته إِذا لم يُقم البيِّنة، وهو قول الشافعي. وقال أبو حنيفة ومالك: لا يُحكم بفسقه، وتقبل شهادته ما لم يُقَم الحدُّ عليه.
[فصل:]
والتعريض بالقذف- كقوله لمن يخاصمه: ما أنت بزانٍ، ولا أُمُّك زانية- يوجب الحدَّ في المشهور من مذهبنا. وقال أبو حنيفة: لا يوجب الحدَّ. وحدٌّ العبد في القذف نصف حدِّ الحُرِّ، وهو أربعون، قاله الجماعة، إِلا الأوزاعي فانه قال: ثمانون. فأما قاذف المجنون، فقال الجماعة: لا يُحَدُّ.
وقال الليث: يُحَدُّ. فأما الصبيّ، فان كان مثله يجامِع أو كانت صبيِّة مثلُها يجامَع، فعلى القاذف الحدُّ.
وقال مالك: يُحدُّ قاذف الصبيَّة التي يجامَع مثلُها، ولا يُحَدُّ قاذف الصبيّ. وقال أبو حنيفه، والشافعي:
لا يُحَدُّ قاذفهما. فان قذف رجلٌ جماعةً بكلمة واحدة، فعليه حدٌّ واحد، وإِن أفرد كلَّ واحد بكلمة، فعليه لكل واحد حدّ، وهو قول الشعبي، وابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه حدّ واحد، سواء قذفهم بكلمة أو بكلمات.
[فصل:]
وحدُّ القذف حقٌّ لآدميّ، يصحّ أن يبرئ منه، ويعفو عنه، وقال أبو حنيفة: هو حقّ الله عزّ وجلّ وعندنا أنه لا يستوفى إِلا بمطالبة المقذوف، وهو قول الأكثرين. وقال ابن أبي ليلى: يحدّه