على الجمع «الحَقِّ بالموتِ» بتقديم «الحَقّ» . وقرأ أبيّ بن كعب، وسعيد بن جبير:«وجاءت سَكَراتُ الموت» على الجمع «بالحق» بتأخير «الحق» . قوله تعالى: ذلِكَ أي فيقال للانسان حينئذ: «ذلك» :
أي ذلك الموت ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أي تهرُب وتفِرّ. وقال ابن عباس: تَكره. قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ يعني نفخة البعث ذلِكَ اليوم يَوْمُ الْوَعِيدِ أي يوم وقوع الوعيد. قوله تعالى: مَعَها سائِقٌ فيه قولان: أحدهما: أن السائق ملَك يسوقها إلى مَحْشَرها، قاله أبو هريرة: والثاني: أنه قرينها من الشياطين، سمِّي سائقا لأنه يتبَعها وإِن لم يَحثَّها. وفي (الشهيد) ثلاثة أقوال: أحدها: أنه ملَك يَشهد عليها بعملها، قاله عثمان بن عفان والحسن. وقال مجاهد: الملَكان سائق وشهيد. وقال ابن السائب:
السائق الذي كان يكتب عليه السَّيَِئات، والشهيد الذي كان يكتب الحسنات. والثاني: أنه العمل يَشهد على الإنسان، قاله أبو هريرة. والثالث: الأيدي والأرجل تَشهد عليه بعمله، قاله الضحاك. وهل هذه الآيات عامّة، أم خاصَّة؟ فيها قولان: أحدهما: أنها عامة، قاله الجمهور. والثاني: خاصة في الكافر، قاله الضحاك ومقاتل.
قوله تعالى: لَقَدْ كُنْتَ أي: ويقال له: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا اليوم، وفي المخاطَب بهذه الآيات ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الكافر، قاله ابن عباس، وصالح بن كيسان في آخرين. والثاني: أنه عامّ في البَرِّ والفاجر، قاله حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، واختاره ابن جرير. والثالث: أنه النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وهذا قول ابن زيد. فعلى القول الأول يكون المعنى: لقد كنتَ في غفلة من هذا اليوم في الدنيا بكفرك به وعلى الثاني: كنتَ غافلاً عن أهوال القيامة فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك. وقيل معناه: أريناك ما كان مستوراً عنك وعلى الثالث: لقد كنتَ قبل الوحي في غفلة عمّا أُوحي إِليك، فكشفنا عنك غطاءك بالوحي فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وفي المراد بالبصر قولان: أحدهما: البصر المعروف، قاله الضحاك. والثاني: العِلمْ، قاله الزجاج. وفي قوله:«اليومَ» قولان: أحدهما: أنه يوم القيامة، قاله الأكثرون. والثاني: أنه في الدنيا، وهذا على قول ابن زيد. فأمّا قوله:«حديدٌ» فقال ابن قتيبة: الحديد بمعنى الحادّ. أي: فأنت ثاقب البصر. ثم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: فبصرك حديدٌ إلى لسان الميزان حين تُوزَن حسناتُك وسيِّئاتُك، قاله مجاهد. والثاني: أنه شاخص لا يطرف لمعاينة الأخرة، قاله مقاتل. والثالث: أنه العلم النّافذ، قاله الزّجّاج.
قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)
قوله تعالى: وَقالَ قَرِينُهُ قال مقاتل: هو ملكه الذي كان يكتب عمله السّيئ في دار الدنيا، يقول لربِّه: قد كتبتُ ما وكَّلْتَني به، فهذا عندي مُعَدٌّ حاضرٌ من عمله الخبيث، فقد أتيتُك به وبعمله. وفي «ما» قولان: أحدهما: أنها بمعنى «من» قاله مجاهد. والثاني: أنها بمعنى الشيء، فتقديره: هذا شيء لديَّ عتيدٌ، قاله الزجاج. وقد ذكرنا معنى العتيد في هذه السّورة «١» ، فيقول الله تعالى: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ.