للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: أنه السكون في الصلاة، قاله مجاهد، وإِبراهيم، والزهري. والرابع: أنه الخوف، قاله الحسن. وفي المراد باللغو ها هنا خمسة أقوال: أحدها: الشِّرك، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: الباطل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: المعاصي، قاله الحسن. والرابع:

الكذب: قاله السدي. والخامس: الشتم والأذى الذي كانوا يسمعونه من الكفار، قاله مقاتل. قاله الزجاج: واللغو: كل لعب ولهو، وكل معصية فهي مطَّرَحة مُلغاة. فالمعنى شغلهم الجِدُّ فيما أمرهم الله به عن اللغو.

قوله تعالى: لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ أي: مؤدُّون «١» ، فعبَّر عن التأدية بالفعل، لأنه فعل.

قوله تعالى: إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ قال الفراء: «على» بمعنى «مِنْ» . وقال الزجاج: المعنى: أنهم يُلامون في إِطلاق ما حُظر عليهم وأُمروا بحفظه «٢» ، إِلا على أزواجهم أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فإنهم لا يُلامون. قوله تعالى: فَمَنِ ابْتَغى أي: طَلَب وَراءَ ذلِكَ أي: سوى الأزواج والمملوكات فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ يعني الجائرين الظالمين، لأنهم قد تجاوزوا إلى ما لا يَحلُّ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ قرأ ابن كثير: «لأمانتهم» وهو اسم جنس، والمعنى: للأمانات التي ائتُمنوا عليها، فتارة تكون الأمانة بين العبد وبين ربِّه، وتارة تكون بينه وبين جنسه، فعليه مراعاة الكُلِّ. وكذلك العهد. ومعنى راعُونَ: حافظون.

قال الزجاج: وأصل الرعي في اللغة: القيام على إِصلاح ما يتولاَّه الراعي من كلّ شيء. قوله تعالى:

على صلاتهم قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: «صَلَواتِهِمْ» على الجمع. وقرأ حمزة، والكسائي: «صلاتِهم» على التوحيد، وهو اسم جنس. والمحافظة على الصلوات: أداؤها في أوقاتها.

قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ ذكر السدي عن أشياخه أن الله تعالى يرفع للكفار الجنة، فينظرون إِلى بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا، ثم تقسم بين المؤمنين فيرِثونهم، فذلك قوله: «أولئك هم الوارثون» . وقد شرحنا هذا في الأعراف «٣» عند قوله: أُورِثْتُمُوها، وشرحنا معنى الفردوس في الكهف «٤» .

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٢ الى ١٣]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ (١٣)


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٣٠٠: وقوله: وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ الأكثرون على أن المراد بالزكاة ها هنا زكاة الأموال، مع أن هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة.
والظاهر أن التي فرضت بالمدينة إنما هي ذات الأنصبة. والمقادير الخاصة، وإلا فالظاهر أن أصل الزكاة كان واجبا بمكة، كما قال تعالى في سورة الأنعام، وهي مكية وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ. وقد يحتمل أن يكون المراد بالزكاة ها هنا زكاة النفس من الشرك والدنس، كقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها. وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها وكقوله وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ. الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ فصلت: ٦ على أحد القولين في تفسيرها، وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادا، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه من جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يتعاطى هذا، وهذا، والله أعلم.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٣٠٠: والذين حفظوا فروجهم من الحرام، فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط، ولا يقربون سوى أزواجهم التي أحلّها الله لهم، وما ملكت أيمانهم من السراري، ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج، وقد استدل الإمام الشافعي رحمه الله ومن وافقه على تحريم الاستمناء باليد بهذه الآية الكريمة، قال فهذا الصنيع خارج عن هذين القسمين وقد قال: فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.
(٣) سورة الأعراف: ٤٣. [.....]
(٤) سورة الكهف: ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>