عاصم غير أبان «إن نَعْفُ» ، «نُعَذِّبْ» ، بالنون فيهما ونصب «طائفةً» ، والمعنى: إن نعف عن طائفة منكم بالتوفيق للتوبة، نعذِّب طائفةً بترك التّوبة. وقيل: الطّائفتان ها هنا ثلاثة، فاستهزأ اثنان وضحك واحد.
ثم أنكر عليهم بعض ما سمع. وقد ذكرنا عن ابن عباس أسماء الثلاثة، وأن الضاحك اسمه الجُهَيْر، وقال غيره: هو مَخْشِيُّ بن خُمَيْر. وقال ابن عباس ومجاهد: الطائفة الواحد فما فوقه. وقال الزجاج:
أصل الطائفة في اللغة الجماعة ويجوز أن يقال للواحد طائفة، يراد به نفس طائفة. وقال ابن الأنباري:
إذا أريد بالطائفة الواحد كان أصلها طائفاً، على مثال: قائم وقاعد، فتدخل الهاء للمبالغة في الوصف، كما يقال: راوية، علّامة، نسّابة. قال عمر بن الخطّاب: ما فُرغ من تنزيل براءة حتى ظننا أن لن يبقى منا أحد إلا سينزل فيه شيء.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٧ الى ٧٠]
الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠)
قوله تعالى: الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قال ابن عباس: بعضهم على دين بعض وقال مقاتل: بعضهم أولياء بعض يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وهو الكفر وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وهو الإيمان. وفي قوله تعالى: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ أربعة أقوال: أحدها: يقبضونها عن الإنفاق في سبيل الله، قاله ابن عباس والحسن ومجاهد. والثاني: عن كل خير، قاله قتادة. والثالث: عن الجهاد في سبيل الله. والرابع: عن رفعها في الدعاء إلى الله، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ قال الزجاج: تركوا أمره، فتركهم من رحمته وتوفيقه. قال:
وقوله تعالى: هِيَ حَسْبُهُمْ أي: هي كفاية ذنوبهم، كما تقول: عذَّبتُك حسبَ فِعلك، وحسبُ فلان ما نزل به، أي: ذلك على قدر فعله. وموضع الكاف في قوله تعالى: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
نصب، أي: وعدكم الله على الكفر به كما وعد الذين من قبلكم. وقال غيره: رجع عن الخبر عنهم إلى مخاطبتهم، وشبَّههم في العدول عن أمره بمن كان قبلهم من الأمم الماضية.
قوله تعالى: فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ قال ابن عباس: استمتعوا بنصيبهم من الآخرة في الدنيا. وقال الزجاج: بحظهم من الدنيا. قوله تعالى: وَخُضْتُمْ أي: في الطعن على الدِّين وتكذيب نبيكم كما خاضوا. أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا لأنها لم تُقبل منهم، وفي الآخرة، لأنهم لا يثابون عليها، وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ بفوت الثواب وحصول العقاب.