للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَإِقامِ الصَّلاةِ أي: أداؤها لوقتها وإِتمامها. فان قيل: إِذا كان المراد بذِكْر الله الصلاة، فما معنى إِعادتها؟ فالجواب: أنه بيَّن أنهم يقيمونها بأدائها في وقتها.

قوله تعالى: تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ في معناه ثلاثة أقوال: أحدها: أن من كان قلبه مؤمنا بالبعث والنشور، ازداد بصيرة برؤية ما وُعِد به ومن كان قلبه على غير ذلك، رأى ما يوقِن معه بأمر القيامة، قاله الزجاج. والثاني: أن القلوب تتقلَّب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تتقلَّب، تنظر من أين يؤتَون كتبهم، أَمِنْ قِبَل اليمين، أم مِنْ قِبَل الشمال؟ وأي ناحية يؤخذ بهم، أذات اليمين، أم ذات الشمال؟ قاله ابن جرير. والثالث: تتقلَّب القلوب فتبلغ إِلى الحناجر، وتتقلَّب الأبصار إِلى الزَّرَق بعد الكَحَل والعمى بَعْدَ النَّظر.

قوله تعالى: لِيَجْزِيَهُمُ المعنى: يسبِّحون الله ليَجزيَهم أَحْسَنَ ما عَمِلُوا أي: ليجزيهم بحسناتهم. فأما مساوئهم فلا يجزيهم بها وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ما لم يستحقُّوه بأعمالهم وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ قد شرحناه في آل عمران «١» .

[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)

ثم ضرب الله مثلاً للكفار فقال: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ قال ابن قتيبة: السراب: ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار، والآل «٢» : ما رأيته في أول النهار وآخره، وهو يرفع كل شيء، والقِيعة والقاع واحد. وقرأ أبيّ بن كعب، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: «بِقِيعات» . وقال الزجاج: القيعة جمع قاع، مثل جارٍ وجيرة، والقيعة والقاع: ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماءً يجري، وذلك هو السراب، والآل مثل السراب، إِلا أنه يرتفع وقت الضحى، كالماء، بين السماء والأرض يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ وهو الشديد العطش ماءً، حتى إِذا جاء إٍلى موضع السراب رأى أرضاً لا ماء فيها، فأعلم الله أن الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند الله، كظن الذي يظن السراب ماءً، وعملُه قد حبط.

قوله تعالى: وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ أي: قَدِم على الله فَوَفَّاهُ حِسابَهُ أي: جازاه بعمله وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن، والمراد به الخبر عن الكافر.

قوله تعالى: وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ مفسّر في سورة البقرة «٣» :


(١) سورة آل عمران: ٢٧.
(٢) في «اللسان» الآل: السراب وقال الأصمعي: الآل والسراب واحد، وخالفه غيره فقال: الآل من الضحى إلى زوال الشمس، والسراب بعد الزوال إلى صلاة العصر، واحتجوا بأن الآل يرفع كل شيء حتى يصير آلا أي شخصا، والسراب الذي يجري على وجه الأرض كأنه الماء وهو نصف النهار.
(٣) سورة البقرة: ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>