قوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ قال ابن عباس: يريد بالناس: الذين آمنوا بمكة كعيَّاش بن أبي ربيعة وعمَّار بن ياسر وسَلَمة بن هشام وغيرهم. قال الزجاج: لفظ الآية استخبار ومعناها معنى التقرير والتوبيخ والمعنى: أحَسِب النَّاس أن يُتْرَكوا بأن يقولوا: آمَنَّا، ولأَن يقولوا: آمَنَّا، أي أَحَسِبوا أن يُقْنَع منهم بأن يقولوا: إِنَّا مؤمنون، فقط، ولا يُمتَحنون بما يبيِّن حقيقة إِيمانهم وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ أي: لا يُختَبرون بما يُعْلَم به صِدق إِيمانهم من كذبه. وللمفسرين فيه قولان: أحدهما: لا يُفْتَنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب، قاله مجاهد. والثاني: لا يُبْتَلَوْن بالأوامر والنواهي. قوله تعالى: وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: ابتليناهم واختبرناهم فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: فليرينّ الله عزّ وجلّ الذين صَدَقوا في إِيمانهم عند البلاء إِذا صبروا لقضائه، ولَيُرِيَنَّ الكاذبين في إِيمانهم إِذا شكُّوا عند البلاء، قاله مقاتل. والثاني: فلَيُمَيِّزَنَّ، لأنَّه قد عَلِم ذلك مِنْ قَبْل، قاله أبو عبيدة. والثالث: فلَيُظْهِرَنَّ ذلك حتى يوجد معلوماً، حكاه الثعلبي. وقرأ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وجعفر بن محمد: «فلَيُعْلِمَنَّ اللهُ» «ولَيُعْلِمَنَّ الكاذبين» «وليعلمنّ الله الذين آمنوا وليعلمنّ المنافقين» «١» بضم الياء وكسر اللام.
قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ أي: أحسب الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ يعني الشِّرك أَنْ يَسْبِقُونا أي:
يفُوتونا ويُعْجِزونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي: بئس ما حكموا لأنفسهم حين ظنُّوا ذلك. قال ابن عباس:
عنى بهم الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والعاص بن هشام، وغيرهم.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٥ الى ٧]
مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧)
قوله تعالى: مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ قد شرحناه في آخر الكهف «٢» فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ يعني الأجل المضروب للبعث والمعنى: فليعمل لذلك اليوم وَهُوَ السَّمِيعُ لما يقول الْعَلِيمُ بما يعمل.
وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ أي: إِن ثوابه إِليه يرجع. قوله تعالى: لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ أي:
لَنُبْطِلَنَّها حتى تصير بمنزلة ما لم يعمل وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي: بأحسن أعمالهم، وهو الطاعة، ولا نجزيهم بمساوئ أعمالهم.
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٨ الى ٩]
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (٩)
قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو مجلز، وعاصم الجحدري:
«إِحساناً» بألف. وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء: «حسنا» بفتح الحاء والسين.
(١٠٨٥) وروى أبو عثمان النّهدي عن سعد بن أبي وقَّاص، قال: فيَّ أُنزلت هذه الآية، كنت
أصله صحيح. أخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣/ ٤١٤ من طريق مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي عثمان