للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجة عليهم. والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم. ونظير هذا أنه أثبت الاعمال في كتاب، واستنسخها من غير جواز النسيان عليه.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠]]

وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠)

قوله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ فيه قولان: أحدهما: مكنَّاكم إياها. والثاني: سهَّلنا عليكم التصرف فيها. وفي المعايش قولان: أحدهما: ما تعيشون به من المطاعم والمشارب. والثاني:

ما تتوصَّلون به إلى المعايش، من زراعة، وعمل، وكسب. وأكثر القراء على ترك الهمز في «معايش» وقد رواها خارجة عن نافع مهموزة. قال الزجاج: وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ، لأن الهمز إنما يكون في الياء الزائدة، نحو صحيفة وصحائف فصحيفة من الصحف والياء زائدة، فأما معايش، فمن العيش فالياء أصلية.

قوله تعالى: قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي: شكركم قليل. وقال ابن عباس: يريد أنكم غير شاكرين.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١١]]

وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)

قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ فيه ثمانية أقوال «١» : أحدها: ولقد خلقناكم في ظهر


(١) قال الطبري في «تفسيره» ٥/ ٤٣٧- ٤٣٨: وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: تأويله وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ولقد خلقنا آدم ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ بتصويرنا آدم. كما قد بينا فيما مضى من خطاب العرب الرجل بالأفعال تضيفها إليه. والمعنيّ في ذلك سلفه، وكما قال جل ثناؤه لمن بين أظهر المؤمنين من اليهود على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة: ٦٣] وما أشبه ذلك من الخطاب الموجه إلى الحي الموجود، والمراد به السلف المعدوم، فكذلك ذلك في قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ. معناه ولقد خلقنا أباكم آدم ثم صورناه. وإنما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن الذي يتلو ذلك قوله ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، ومعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أمر الملائكة بالسجود لآدم، قبل أن يصور ذريته في بطون أمهاتهم بل قبل أن يخلق أمهاتهم. و «ثم» في كلام العرب لا تأتي إلا بإيذان انقطاع ما بعدها عما قبلها، وذلك كقول القائل: «قمت ثم قعدت» لا يكون «القعود» إذا عطف به ب «ثم» على قوله «قمت» إلا بعد القيام. وكذلك ذلك في جميع الكلام. ولو كان العطف في ذلك بالواو، جاز أن يكون الذي بعدها قد كان قبل الذي قبلها وذلك كقول القائل: «قمت وقعدت» ، فجائز أن يكون القعود في هذا الكلام قد كان قبل «القيام» لأن «الواو» تدخل في الكلام إذا كانت عطفا توجب للذي بعدها من المعنى ما وجب للذي قبلها، من غير دلالة منها بنفسها على أن ذلك كان في وقت واحد أو وقتين مختلفين.
أو إن كانا في وقتين، أيهما المتقدم وأيهما المتأخر. فلما وصفنا قلنا إن قوله: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ لا يصح تأويله إلا على ما ذكرنا.
وقد وجه بعض من ضعفت معرفته بكلام العرب كذلك إلى أنه من المؤخر الذي معناه التقديم، وزعم أن معنى ذلك: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم، وذلك غير جائز في كلام العرب، لأنها لا تدخل «ثم» في الكلام وهي مراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر، وإن كانوا قد يقدمونها في الكلام، إذا كان فيه دليل على أن معناها التأخير وذلك كقولهم: «قام عبد الله ثم عمرو» . فأما إذا قيل: «قام عبد الله ثم قعد عمرو» فغير جائز أن يكون قعود عمرو كان إلا بعد قيام عبد الله إذا كان الخبر صادقا، فقوله تبارك.
وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا نظير قول القائل: «قام عبد الله ثم قعد عمرو» . في أنه غير جائز أن يكون أمر الله الملائكة بالسجود لآدم كان إلا بعد الخلق والتصوير لما وصفنا قبل. ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>