وخلد، والأول أكثر في اللغة. والأرض ها هنا عبارة عن الدنيا، لأن الدنيا هي الأرض بما عليها. وفي معنى الكلام قولان: أحدهما: أنه رَكَن إلى أهل الدنيا، ويقال: إنه أرضى امرأته بذلك لأنها حملته عليه. وقيل: أرضى بني عمِّه وقومَه. والثاني: أنه ركن إلى شهوات الدنيا وقد بُيِّن ذلك بقوله تعالى:
وَاتَّبَعَ هَواهُ والمعنى أنه انقاد لما دعاه إليه الهوى. قال ابن زيد: كان هواه مع قومه. وهذه الآية من أشد الآيات على أهل العلم إذا مالوا عن العلم إلى الهوى. قوله تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ معناه: أن هذا الكافر، إن زجرتَه لم ينزجر، وإن تركتَه لم يهتد، فالحالتان عنده سواء كحالتي الكلب، فانه إن طُرد وحُمل عليه بالطرد كان لاهثاً، وإن تُرك وربض كان أيضاً لاهثاً، والتشبيه بالكلب اللاهث خاصة فالمعنى: فمثله كمثل الكلب لاهثاً وإنما شبهه بالكلب اللاهث، لأنه أخسُّ الأمثال على أخس الحالات وأبشعها. وقال ابن قتيبة: كل لاهث إنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب، فانه يلهث في حال راحته وحال كلاله، فضربه الله مثلاً لمن كذَّب بآياته، فقال: إن وعظته فهو ضال، وإن لم تعظه فهو ضال، كالكلب إن طردته وزجرته فسعى لهث، أو تركته على حاله رابضاً لهث. قال المفسرون: زُجِرَ في منامه عن الدعاء على بني اسرائيل فلم ينزجر، وخاطبتْه أتانه فلم ينته، فضُرب له هذا المثل ولسائر الكفّار فذلك قوله تعالى: ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا لأن الكافر إن وعظته فهو ضال، وإن تركتَه فهو ضال وهو مع إرسال الرسل إليه كمن لم يأته رسول ولا بيِّنة.
قوله تعالى: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ قال عطاء: قَصَصَ الذين كفروا وكذّبوا أنبياءهم.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٧٧ الى ١٧٨]
ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ (١٧٧) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨)
قوله تعالى: ساءَ مَثَلًا يقال: ساء الشيء يسوء: إذا قَبُح، والمعنى: ساء مثلاً مثل القوم، فحُذِف المضاف، فنُصب «مثلاً» على التمييز.
قوله تعالى: وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ أي: يضُرُّون بالمعصية.
[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧٩]]
وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٧٩)
قوله تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا أي: خلقنا. قال ابن قتيبة: ومنه ذرية الرجل، إنما هي الخلق منه، ولكن همزها يتركه أكثر العرب. قوله تعالى: لِجَهَنَّمَ هذه اللام يسميها بعض أهل المعاني لام العاقبة، كقوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً، ومثله قول الشاعر:
أمْوالُنَا لِذَوِي المِيْرَاثِ نَجْمَعُهَا ... وَدُوْرُنَا لِخَرَابِ الدَّهْرِ نَبْنِيْها
ودخل رجل على عمر بن عبد العزيز يعزِّيه بموت ابنه، فقال:
تعزَّ أمِيْرَ المؤمنينَ فإنَّه ... لِما قَدْ تَرَى يُغْذَى الصَّغِيْرُ ويُوْلَدُ
وقد أخبر الله عزّ وجلّ في هذه الآية بنفاذ عِلمه فيهم أنهم يصيرون إليها بسبب كفرهم.