للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْبَيِّناتِ أي: بالدَّلالات فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ بتعذيبهم على غير ذنب وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بالكفر والتكذيب ودلَّ هذا على أنهم لم يؤمنوا فأُهلكوا.

ثم أخبر عن عاقبتهم فقال: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى يعني الخَلَّة السيِّئة وفيها قولان:

أحدهما: أنها العذاب، قاله الحسن. والثاني: جهنم، قاله السدي. قوله تعالى: أَنْ كَذَّبُوا قال الفراء: لأن كذَّبوا، فلمَّا أُلقيت اللامُ كان نصباً، وقال الزجاج: لتكذيبهم بآيات الله واستهزائهم. وقيل:

السُّوأى مصدر بمنزلة الإِساءَة فالمعنى: ثم كان التكذيب آخرَ أمرهم، أي: ماتوا على ذلك، كأنَّ الله تعالى جازاهم على إِساءَتهم أن طبع على قلوبهم حتى ماتوا على التكذيب عقوبةً لهم. وقال مكي بن أبي طالب النحوي: «عاقبةُ» اسم كان، و «السُّوأى» خبرها، و «أن كذَّبوا» مفعول من أجله ويجوز أن يكون «السُّوأى» مفعولة ب «أساؤوا» ، و «أن كذَّبوا» خبر كان، ومن نصب «عاقبةَ» جعلها خبر «كان» ، و «السُّوأى» اسمها، ويجوز أن تكون «أن كذَّبوا» اسمها. وقرأ الأعمش: «أساؤوا السُّوءُ» برفع السّوء» .

قوله تعالى: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ أي: يخلُقهم أوّلاً، ثم يعيدهم بعد الموت أحياءً كما كانوا، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «تُرْجَعون» بالتاء فعلى هذا يكون الكلام عائداً من الخبر إِلى الخطاب، وقرأ أبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: بالياء، لأن المتقدِّم ذِكْره غَيبة، والمراد بذِكر الرجوع: الجزاءُ على الأعمال، والخَلْق بمعنى المخلوقين، وإِنما قال: «يُعِيده» على لفظ الخلق.

[سورة الروم (٣٠) : الآيات ١٢ الى ١٦]

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (١٦)

قوله تعالى: يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ قد شرحنا الإِبلاس في سورة الأنعام «١» . قوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ أي: من أوثانهم التي عبدوها شُفَعاءُ في القيامة وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ يتبرَّؤون منها وتتبرَّأ منهم. قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ وذلك بعد الحساب ينصرف قوم إِلى الجنة، وقوم إِلى النار. قوله تعالى: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ الرَّوضة: المكان المخضرُّ من الأرض وإِنَّما خصَّ الروضة، لأنها كانت أعجب الأشياء إِلى العرب قال أبو عبيدة: ليس شيءٌ عند العرب أحسنَ من الرياض المُعْشِبة ولا أطيبَ ريحاً، قال الأعشى:

مَا رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الحَزْنِ مُعْشِبَةٌ ... خَضْرَاءُ جادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ

يَوْماً بأطْيَبَ مِنْها نَشْرَ رائحَةٍ ... وَلا بأحْسَنَ مِنْها إِذ دَنا الأُصُلُ «٢»

قال المفسرون: والمراد بالروضة: رياض الجنة. وفي معنى «يُحْبَرون» أربعة أقوال: أحدها:


(١) الأنعام: ٤٤.
(٢) في «اللسان» : السّبل: المطر، وقيل: المطر السبل. وقد أسبلت السماء، وأسبل المطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>