للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الاعتداء المذكور ها هنا قولان: أحدهما: أنه الاعتداء في الدعاء. ثم فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: أن يدعو على المؤمنين بالشر، كالخزي واللعنة، قاله سعيد بن جبير، ومقاتل. والثاني: أن يسأل ما لا يستحقه من منازل الأنبياء، قاله أبو مجلز. والثالث: أنه الجهر في الدعاء، قاله ابن السائب.

والثاني: أنه مجاوزة المأمور به، قاله الزّجّاج.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٦]]

وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)

قوله تعالى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها فيه ستة أقوال: أحدها: لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها بالإيمان. والثاني: لا تفسدوها بالظلم بعد إصلاحها بالعدل. والثالث: لا تفسدوها بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة. والرابع: لا تعصوا، فيمسك الله المطر، ويهلك الحرث بمعاصيكم بعد أن أصلحها بالمطر والخصب. والخامس: لا تفسدوها بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه.

والسادس: لا تفسدوها بتكذيب الرسل بعد إصلاحها بالوحي.

وفي قوله: وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً قولان: أحدهما: خوفاً من عقابه، وطمعاً في ثوابه. والثاني:

خوفاً من الردِّ وطمعاً في الإِجابة. قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قال الفراء: رأيت العرب تؤنِّث القريبة في النسب، لا يختلفون في ذلك، فاذا قالوا: دارك منا قريب، أو فلانة منّا قريب، ومن القرب والبعد، ذكّروا وأنَّثوا، وذلك أنهم جعلوا القريب خَلَفاً من المكان، كقوله: وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ «١» ، وقوله تعالى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً «٢» ، ولو أُنِّث ذلك لكان صواباً. قال عروة:

عَشِيَّةَ لاَ عَفْرَاءُ مِنْكَ قريبةٌ ... فَتَدْنُو وَلاَ عَفْرَاءُ مِنْكَ بَعيدُ

وقال الزجاج: إنما قيل: «قريب» لأن الرحمة والغفران والعفو بمعنى واحد، وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي. وقال الأخفش: جائز أن تكون الرّحمة ها هنا في معنى المطر.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٧]]

وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧)

قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ قرأ أبو عمرو ونافع وابن عامر وعاصم: «الرياح» على الجمع. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: «الريح» على التوحيد. وقد يأتي لفظ التوحيد ويراد به الكثرة كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس، ومثله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ «٣» .

قوله تعالى: «نَشْراً» قرأ أبو عمرو، وابن كثير، ونافع: «نُشراً» بضم النون والشين أرادوا جمع نشور، وهي الريح الطيبة الهبوب، تهب من كل ناحية وجانب. قال أبو عبيدة: النشر: المتفرّقة من كلّ جانب. قال أبو علي: يحتمل أن تكون النشور بمعنى المنشر، وبمعنى المنتشر، وبمعنى النّاشر يقال:


(١) سورة هود: ٨٣.
(٢) سورة الأحزاب: ٦٣.
(٣) سورة العصر: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>