واختلفت الرواية عن أحمد، رحمه الله، في الحكمين، ففي إحدى الروايتين عنه، أنهما وكيلان لهما، لا يملكان التفريق إلا بإذنهما. وهذا مذهب عطاء وأحد قولي الشافعي. وحكي ذلك عن الحسن، وأبي حنيفة، لأنّ البضع حقه، والمال حقّها وهما رشيدان، فلا يجوز لغيرهما التصرف فيه إلا بوكالة منهما، أو ولاية عليهما. والثانية أنهما حاكمان، ولهما أن يفعلا ما يريان من جمع وتفريق، بعوض وغير عوض، ولا يحتاجان إلى توكيل الزوجين ولا رضاهما. وروي ذلك عن علي، وابن عباس، والشعبي والنخعي وسعيد بن جبير ومالك والأوزاعي، وابن المنذر، لقول الله تعالى، فسمّاهما حكمين ولم يعتبر رضى الزوجين ثم قال تعالى: إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً. فخاطب الحكمين بذلك. وروي أبو بكر، بإسناده عن عبيدة السلماني، أن رجلا وامرأة أتيا عليا، مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال علي رضي الله عنه: ابعثوا حكما من أهله، وحكما من أهلها، فبعثوا حكمين، ثم قال عليّ للحكمين: هل تدريان ما عليكما من الحقّ إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرّقا فرّقتما. فقالت المرأة: رضيت بكتاب الله عليّ ولي، فقال الرجل: أما الفرقة فلا. فقال عليّ: كذبت حتى ترضى بما رضيت به. وهذا يدل على أنه أجبره على ذلك. ولا يمتنع أن تثبت الولاية على الرّشيد عند امتناعه من أداء الحق، كما يقضى الدين عنه من ماله إذا امتنع، إذا ثبت هذا، فإن الحكمين لا يكونان إلا عاقلين بالغين عدلين مسلمين، لأن هذه من شروط العدالة، سواء قلنا: هما حاكمان أو وكيلان.