للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المؤمنين وإِن لم يفعلوه، لأنهم كانوا السبب في وجوده، كقوله: إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ «١» .

قوله تعالى: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أي: على أذاكم واستهزائكم أَنَّهُمْ قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: «أنَّهم» بفتح الألف. وقرأ حمزة والكسائي: «إِنَّهم» بكسرها. فمن فتح «أنَّهم» فالمعنى: جزيتُهم بصبرهم الفور، ومن كسر «إنهم» ، استأنف.

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١١٢ الى ١١٨]

قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعادِّينَ (١١٣) قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١٤) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦)

وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (١١٧) وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)

قوله تعالى: قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ قرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: «قال كم لبثتم» وهذا سؤال الله تعالى للكافرين. وفي وقته قولان: أحدهما: أنه يسألهم يوم البعث. والثاني: بعد حصولهم في النار. وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: «قل كم لبثتم» وفيها قولان: أحدهما: أنه خطاب لكل واحد منهم، والمعنى: قل يا أيها الكافر. والثاني: أن المعنى: قولوا، فأخرجه مخرج الأمر للواحد، والمراد الجماعة، لأن المعنى مفهوم. وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي يدغمون ثاء «لبثتم» ، والباقون لا يدغمونها فمن أدغم، فلتقارب مخرج الثاء والتاء، ومن لم يدغم، فلتباين المخرجين.

وفي المراد بالأرض قولان: أحدهما: أنها القبور. والثاني: الدنيا. فاحتقر القوم ما لبثوا لِما عاينوا من الأهوال والعذاب فقالوا: لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قال الفراء: والمعنى: لا ندري كم لبثنا.

وفي المراد بالعادِّين قولان: أحدهما: الملائكة، قاله مجاهد. والثاني: الحُسَّاب، قاله قتادة. وقرأ الحسن، والزهري، وأبو عمران الجوني، وابن يعمر: «العادِين» بتخفيف الدال.

قوله تعالى: قالَ إِنْ لَبِثْتُمْ قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: «قال إِن لبثتم» . وقرأ حمزة، والكسائي: «قل إِن لبثتم» على معنى: قل أيها السائل عن لبثهم. وزعموا أن في مصحف أهل الكوفة «قل» في الموضعين، فقرأهما حمزة، والكسائي على ما في مصاحفهم، أي: ما لبثتم في الأرض إِلَّا قَلِيلًا لأن مكثهم في الأرض وإِن طال، فإنه مُتَنَاهٍ ومكثهم في النار لا يتناهى.

وفي قوله: لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قولان: أحدهما: لو علمتم قدر لبثكم في الأرض. والثاني: لو علمتم أنكم إِلى الله ترجعون، فعملتم لذلك.

قوله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أي: أفظننتم أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً أي: للعبث والعبث في اللغة:

اللعب، وقيل: هو الفعل لا لغرض صحيح، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم: «لا تُرْجَعون» بضم التاء. وقرأ حمزة، والكسائي بفتحها. فَتَعالَى اللَّهُ عمَّا يَصِفُه به الجاهلون من الشِّرك والولد، الْمَلِكُ قال الخطّابي: هو التامّ المُلك الجامع لأصناف المملوكات.


(١) سورة إبراهيم: ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>