لهم طيِّباتُهم، وهي وشيكة الانقطاع، وإِنّا أُخِّرتْ لنا طيِّباتُنا» .
وروى جابر بن عبد الله قال: رأى عمر بن الخطاب لحماُ معلَّقاً في يدي، فقال: ما هذا يا جابر؟
فقلت: اشتهيت لحماً فاشتريتُه، فقال: أوَ كلمَّا اشتّهيت اشتريت يا جابر؟! أما تخاف هذه الآية:
أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا. وروي عن عمر أنه قيل له: لو أمرتَ أن نصنع لك طعاما ألين من هذا، فقال: إني سمعت الله عيَّر أقواما فقال: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا.
قوله تعالى: تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ أي: تتكبَّرون عن عبادة الله والإيمان به.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢١ الى ٢٥]
وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥)
قوله تعالى: وَاذْكُرْ أَخا عادٍ يعني هوداً إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ قال الخليل: الأحقاف: الرِّمال العِظام، وقال ابن قتيبة: واحد الأحقاف: حِقْف، وهو من الرَّمْل: ما أشرَفَ من كُثبانه واستطال وانحنى. وقال ابن جرير: هو ما استطال من الرَّمْل ولم يبلُغ أن يكون جَبَلاً. واختلفوا في المكان الذي سمَّي بهذا الاسم على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه جبل بالشام، قاله ابن عباس، والضحاك. والثاني: أنه وادٍ، ذكره عطية. وقال مجاهد: هي أرض. وحكى ابن جرير أنه وادٍ بين عُمان ومَهْرة. وقال ابن إِسحاق: كانوا ينزِلون ما بين عمان وحضر موت، واليمن كلُّه. والثالث: أن الأحقاف: رمال مشرِفة على البحر بأرض يقال لها: الشِّحْر، قاله قتادة.
قوله تعالى: وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ أي: قد مضت الُّرُّسل مِنْ قَبْلِ هود ومِنْ بَعده بإنذار أُممها أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ والمعنى: لم يُبعَث رسولٌ قَبْلَ هود ولا بعده إِلاّ بالأمر بعبادة الله وحده. وهذا كلام اعترض بين إِنذار هود وكلامه لقومه، ثم عاد إِلى كلام هود فقال إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ.
قوله تعالى: لِتَأْفِكَنا أي: لِتَصْرِفَنا عن عبادة آلهتنا بالإِفك.
قوله تعالى: إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ أي: هو يَعْلَم متى يأتيكم العذاب. فَلَمَّا رَأَوْهُ يعني ما يوعَدون في قوله: «بما تَعِدُنا» عارِضاً أي: سحاب يعرُض من ناحية السماء. قال ابن قتيبة:
العارض: السحاب. قال المفسرون: كان المطر قد حُبِس عن عاد، فساق اللهُ إِليهم سحابةً سوداء، فلمّا رأوها فرحوا وقالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا فقال لهم هود: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ، ثم بيَّن ما هو فقال:
رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ، فنشأت الرِّيح من تلك السحابة، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ أي: تُهٍلِك كلَّ شيءٍ مَرَّت به من الناس والدوابّ والأموال. قال عمرو بن ميمون: لقد كانت الرِّيح تحتمل الظّعينة فترفعُها حتى تُرى كأنها جرادة، فَأَصْبَحُوا يعني عاداً لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ قرأ عاصم، وحمزة: «لا يُرَى» برفع الياء «إِلاَّ مَسَاكِنُهم» برفع النون. وقرأ علي، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والجحدري: «لا