للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنهم بنو قريظة، قاله مجاهد. والثالث: أهل فارس، قاله السدي. والرابع: المنافقون، قاله ابن زيد. والخامس: اليهود، قاله مقاتل.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٦١]]

وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١)

قوله تعالى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ قرأ أبو بكر عن عاصم «للسِّلم» بكسر السين. قال الزجاج:

السَّلْم: الصلح والمسالمة. يقال: سَلم وسِلم وسَلَم في معنى واحد، أي: إن مالوا إلى الصلح فمِل إليه. قال الفراء: إن شئت جعلت «لها» كناية عن السَّلم لأنها تؤنّث، وإن شئت جعلتها للفعلة، كقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ «١» .

فان قيل: لم قال «لها» ولم يقل: «إليها» ؟ فالجواب: أن «اللام» و «إلى» تنوب كل واحدة منهما عن الأخرى. وفيمن أريد بهذه الآية قولان: أحدهما: المشركون، وأنها نسخت بآية السيف «٢» .

والثاني: أهل الكتاب. فان قيل: إنّها نزلت في ترك حربهم إذا بذلوا الجزية وقاموا بشرط الذمة، فهي محكمة. وإن قيل: نزلت في موادعتهم على غير جزية، توجّه النّسخ لها بآية الجزية.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٢ الى ٦٣]

وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)

قوله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا قال مقاتل: يعني يهود قريظة أَنْ يَخْدَعُوكَ بالصلح لتكف عنهم، حتى إذا جاء مشركو العرب، أعانوهم عليك فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ. قال الزجاج: فان الذي يتولىَّ كفايتك الله هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ أي: قوَّاك. وقال مقاتل: قوَّاك بنصره وبالمؤمنين من الأنصار يوم بدر.

قوله تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يعني الأوس والخزرج، وهم الأنصار، كانت بينهم عداوة في الجاهلية، فألَّف الله بينهم بالإسلام. وهذا من أعجب الآيات، لأنهم كانوا ذوي أنفة شديدة فلو أن رجلاً لطم رجلاً، لقاتلت عنه قبيلته حتى تدرك ثأره، فآل بهم الإِسلام إلى أن يقتل الرجل ابنه وأباه.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٦٤]]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤)

قوله تعالى: حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ فيه قولان: أحدهما: حسبُك اللهُ، وحسبُ من اتَّبَعَكَ، هذا قول أبي صالح عن ابن عباس، وبه قال ابن زيد، ومقاتل، والأكثرون. والثاني: حسبُك اللهُ ومتَّبِعُوكَ، قاله مجاهد. وعن الشعبي كالقولين. وأجاز الفرّاء والزّجّاج الوجهين.


(١) سورة الأعراف: ١٥٣.
(٢) وقال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن» ٨/ ٤١: وقد اختلف في هذه الآية، هل هي منسوخة أم لا. فقال قتادة وعكرمة نسخها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] . وقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً [التوبة:
٣٦] ، وقالا: نسخت براءة كل موادعة، حتى يقولوا لا إله إلا الله. وقال ابن عباس: الناسخ لها فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ [محمد: ٣٥] . وقيل ليست بمنسوخة، بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية.

<<  <  ج: ص:  >  >>