للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمِّيتْ بَيْعة، لأنهم باعوا أنفُسهم من الله بالجنّة، وكان العقد مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكأنّهم بايعوا الله عزّ وجلّ، لأنه ضَمِن لهم الجنة بوفائهم. يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فيه أربعة أقوال: أحدها: يد الله في الوفاء فوق أيديهم. والثاني: يد الله في الثواب فوق أيديهم. والثالث: يد الله عليهم في المنّة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة، ذكر هذه الأقوال الزجاج. والرابع: قُوَّة الله ونُصرته فوق قُوَّتهم ونُصرتهم، ذكره ابن جرير، وابن كيسان.

قوله تعالى: فَمَنْ نَكَثَ أي: نقض ما عقده من هذه البَيْعة فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ أي: يَرْجِع ذلك النَّقْضُ عليه وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ من البيعة فَسَيُؤْتِيهِ قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر وأبان عن عاصم: «فسنُؤتيه» بالنون. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بالياء أَجْراً عَظِيماً وهو الجنة. قال ابن السائب: فلم ينكُث العهد منهم غير رجل واحد يقال له: الجدّ بن قيس، وكان منافقا.

[سورة الفتح (٤٨) : الآيات ١١ الى ١٤]

سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤)

قوله تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ (١٢٨٩) قال ابن إِسحاق: لما أراد العمرة استنفرَ مَنْ حَوْلَ المدينة من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه، خوفاً من قومه أن يَعْرِضوا له بحرب أو بصَدٍّ، فتثاقل عنه كثير منهم، فهم الذين عنى الله بقوله: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ، (١٢٩٠) قال أبو صالح، عن ابن عباس: وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع والدِّيل وأسلم. قال يونس النحوي: الدِّيل في عبد القيس ساكن الياء. والدُّول من حنيفة ساكن الواو، والدُّئِل في كنانة رهط أبي الأسود الدُّؤَلي.

فأمّا المخلَّفون، فإنهم تخلَّفوا مخافة القتل. شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا أي: خِفْنا عليهم الضّيعة


الموت فقد ورد في خبر مرسل أخرجه الطبري ٣١٥١٦ عن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر وفيه «فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بايعهم على الموت، فكان جابر بن عبد الله يقول: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يبايعنا على الموت ولكنه بايعنا على ألا نفرّ» . وورد من حديث معقل بن يسار عند مسلم ١٨٥٨ ولفظه «لقد رأيتني يوم الشجرة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يبايع الناس، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشر مائة. قال: لم نبايعه على الموت، ولكن بايعناه على أن لا نفر» فهذا كله يرد ما ذكر من أنهم بايعوه على الموت.
أخرجه البيهقي في «الدلائل» ٤/ ١٦٥ عن مجاهد بنحوه، وهذا مرسل، وقد أخرجه الطبري ٣١٤٨٤ عن مجاهد أيضا.
عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وأبو صالح ساقط الرواية وبخاصة عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>